الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }

قال المفسِّرُونَ: إنَّ الوليدَ بن المغيرةِ قال: والله لو كانت النُّبُوة حقاً لكنتُ أوْلَى بها مِنْك؛ لأني أكبرُ مِنْك سِنَّا، وأكثرُ مِنْك مَالاً، وولداً؛ فنزلت الآيةُ الكريمةُ.

وقال الضحاكُ: أرَادَ كُلُّ واحدٍ منهم أنْ يخصَّ بالوْحِي، والرسالةِ؛ كما أخبر تعالى عنهم:بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } [المدثر:52] فظاهر هذه الآية الكريمة التي نحن في تَفْسِيرها يدُلُّ على ذلك أيضاً، وهذا يدلُّ على أنَّ جماعةً منهم كانوا يَقُولُونَ هذا الكلام.

وقال مُقَاتِلٌ: نزلَتْ في أبِي جَهْلٍ؛ وذلك أنَّه قال: زَاحَمَنَا بنُو عَبْدِ منافٍ في الشرف؛ حَتَّى إذَا صِرْنًا كَفَرسَيْ رهانٍ، قالوا مِنَّا نَبِيٌّ يُوحَى إليه، والله لَنْ نُؤمِنَ به، ولن نَتِّبعَهُ أبَداً؛ إلاَّ أنْ يَأتِينَا وحي، كما يَأتيه؛ فأنْزَل اللَّهُ - تبارك وتعالى - الآية.

وقوله: { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ }.

فيه قولان:

أشهرهما: أن القومَ أرادُوا أنْ تحصُلَ لهم النبوةُ، والرِّسَالَةُ، كما حَصَلَتْ لمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وأنْ يكُونُوا مَتْبُوعِينَ لا تَابِعِينَ.

والوقول الثاني: نُقِل عن الحسن، وابن عبَّاس أن المعنى: وإذا جاءتُهْم آيةٌ من القرآنِ تأمُرهم باتباع النبي صلى الله عليه وسلم قالوا:لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء:90] إلى قوله:حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [الإسراء:93] مِنَ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - إلى أبي جَهْلٍ، وإلى فلانٍ وفُلانٍ، كتاباً على حدَةٍ؛ وعلى هذا فالتقديرُ ما طلبوا النبوة وإنَّما طلَبُوا أنْ يَأتِيهُمْ بآياتٍ قَاهِرَةٍ مثل مُعْجزاتِ الأنْبياءِ المتقدمين؛ كي تدل على صِحًّة نبوّة محمدٍ - عليه الصَّلاة والسَّلام -.

قال المحقِّقُون: والأوَّلُ أقْوَى لأنَّ قولهُ تبارك وتعالى: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } لا يَلِيقُ إلاَّ بالقولِ الأوَّلِ.

وقوله: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } فيه تنبيهٌ على أنَّ أقلَّ ما لا بُدَّ مِنْهُ في حُصُولِ النُّبُوةِ، والرسالةِ؛ البراءةُ عن المكْر، والخَدِيعَةِ، والغَدْر، والغِلِّ، والحَسَدِ وقولهم { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } عينُ المكرِ، والغل والحسد؛ فكيف تحصلُ النبوةُ، والرسالةُ مع هذه الصفات الذَّمِيمة؟.

قوله تعالى: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }.

في " حَيْثُ " هذه وجهان:

أحدهما: أنَّها خرجتْ عن الظرفيَّة، وصارَتْ مَفْعُولاً بها على السَّعَةِ، وليس العامِلُ " أعْلَمُ " هذه؛ لما تقدَّم مِنْ أنَّ أفْعَلَ لا تنصبُ المفعول به.

قال أبُو عَلِيّ: " لا يجوزُ أنْ يكُونَ العامِلُ في " حَيْثُ ": " أعْلَمُ " هذه الظاهرة, ولا يجوزُ أن تكُون " خَيْثُ ظرفاً؛ لأنه يصيرُ التقديرُ: " اللهُ أعْلَمُ في هذا الموضع " ولا يوصفُ اللَّهُ تعالى بأنه أعْلَمُ في مواضعَ, وأوْقَاتٍ؛ لأن علمه لا يختلفُ باختلافِ الأمْكِنَةِ, والأزْمِنَةِ, وإذا كان كذلك, كان العامِلُ في " حَيْثُ " يدُلُّ عليه " أعْلَمُ " و " حَيْثُ " لا يكونُ ظَرْفاً، بل يكونُ اسْماً، وانتصابُه على المفعول به على الاتِّساعِ, ومثلُ ذلك في انتصابِ " حَيْثُ " على المفعولِ به اتساعاً قولُ الشَّمَّاخِ: [الطويل]

السابقالتالي
2 3