الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }

اعلم أنه تعالى حكى عن مكر هؤلاء الكفار وحسدهم أنهم متى ظهرت لهم معجزة قاهرة تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: لن نؤمن حتى يحصل لنا مثل هذا المنصب من عند الله، وهذا يدل على نهاية حسدهم، وأنهم إنما بقوا مصرين على الكفر لا لطلب الحجة والدلائل، بل لنهاية الحسد. قال المفسرون: قال الوليد بن المغيرة: والله لو كانت النبوة حقاً لكنت أنا أحق بها من محمد، فإني أكثر منه مالاً وولداً، فنزلت هذه الآية. وقال الضحاك: أراد كل واحد منهم أن يخص بالوحي والرسالة، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله:بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىء مّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } [المدثر: 52] فظاهر الآية التي نحن في تفسيرها يدل على ذلك أيضاً لأنه تعالى قال: { وَإِذَا جَاءتْهُمْ ءايَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } وهذا يدل على أن جماعة منهم كانوا يقولون هذا الكلام. وأيضاً فما قبل هذه الآية يدل على ذلك أيضاً، وهو قوله:وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [الأنعام: 123] ثم ذكر عقيب تلك الآية أنهم قالوا: { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } وظاهره يدل على أن المكر المذكور في الآية الأولى هو هذا الكلام الخبيث. وأما قوله تعالى: { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } ففيه قولان: القول الأول: وهو المشهور، أراد القوم أن تحصل لهم النبوة والرسالة، كما حصلت لمحمد عليه الصلاة والسلام، وأن يكونوا متبوعين لا تابعين، ومخدومين لا خادمين. والقول الثاني: وهو قول الحسن، ومنقول عن ابن عباس: أن المعنى، وإذا جاءتهم آية من القرآن تأمرهم باتباع النبي. قالوا: { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتِى مِثْلَ مَا أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ } وهو قول مشركي العرب { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعًا } إلى قوله:حَتَّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَءهُ } [الإسراء: 90-93] من الله إلى أبي جهل، وإلى فلان وفلان كتاباً على حدة، وعلى هذا التقدير: فالقوم ما طلبوا النبوة، وإنما طلبوا أن تأتيهم آيات قاهرة ومعجزات ظاهرة مثل معجزات الأنبياء المتقدمين كي تدل على صحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام. قال المحققون: والقول الأول أقوى وأولى، لأن قوله: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } لا يليق إلا بالقول الأول، ولمن ينصر القول الثاني أن يقول: إنهم لما اقترحوا تلك الآيات القاهرة، فلو أجابهم الله إليها وأظهر تلك المعجزات على وفق التماسهم، لكانوا قد قربوا من منصب الرسالة، وحينئذ يصلح أن يكون قوله: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } جواباً على هذا الكلام.

السابقالتالي
2