الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } أي: عند ذبحه. أي: بأن ذكر عليه اسم غيره، يعني: ذبح لغيره تعالى. { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } والفسق: ما أُهِلَّ لغير الله به، كما في الآية الآتية آخر السورة. قال المهايميّ: { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } أي: خروج عن الحسن إلى القبح، يتناول ما تنجس بالموت بلا مانع عن تأثيره. { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ } أي: يوسوسون { إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } أي: من الكفار، { لِيُجَٰدِلُوكُمْ } أي: في تحليل الميتة، { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } أي: في تحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل، { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } أي: لهم مع الله، فيما يختص به من التحليل والتحريم.

تنبيهات

الأول: روي في سبب نزول هذه الآيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى ناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ما نقتل، ولا نأكل ما يقتل الله تعالى، فأنزل الله تعالى:فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ } [الأنعام: 118] إلى قوله: { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 118]. أخرجه أصحاب السنن.

وفي رواية لأبي داود في قوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } قال: يقولون ما ذبح الله - فلا تأكلوا، وما ذبحتم أنتم فكلوا؟ فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } ، فنسخ، واستثنى من ذلك فقال:وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } [المائدة: 5].

وعند النسائي قال: خاصمهم المشركون، فقالوا: ما ذَبَحَ الله لا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه؟ - كذا في تيسير الوصول.

الثاني: دلت الآية على مشروعية التسمية عند الذبح فقيل: باسم الله، بهذا اللفظ الكريم. وقيل: بكل قول فيه تعظيم له كالرحمن، وسائر أسمائه الحسنى، لقوله تعالى:قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [الإسراء: 110]، ولقوله تعالى:وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180].

الثالث: ما قدمناه من حمل الآية على ما ذبح لغير الله تعالى هو الأظهر في تأويلها، لقوله تعالى بعدُ:أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [الأنعام: 145] ومراعاة النظائر في القرآن أولى ما يلتمس به المراد.

وقد روى ابن أبي حاتم عن عطاء قال: نزلت في ذبائح كانت تذبحها قريش على الأوثان، وذبائح المجوس. وقد حاول بعضهم أن يقويه فجعل الواو في قوله: { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } حالية، لقبح عطف الخبر على الإنشاء. قال: والمعنى: لا تأكلوه حال كونه فسقاً، والفسق مجمل يفسره قوله:أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [الأنعام: 145]، فيكون النهي مخصوصاً بما أهل لغير الله به، فيبقى ما عداه حلالاً، إما بالمفهوم، أو بعموم دليل الحل، أو بحكم الأصل. واعترض على هذا الحمل بأنه يقتضي ألا يتناول النهي أكل الميتة، مع أنه سبب النزول، وبأن التأكيد بـ (إن) و (اللام) ينفي كون الجملة حالية، لأنه إنما يحسن فيما قصد الإعلام بتحققه ألبتة، والرد على منكر تحقيقاً أو تقديراً (على ما بين في المعاني)، والحال الواقع في الأمر والنهي مبناه على التقدير، كأنه قيل: لا تأكلوا منه إن كان فسقاً، فلا يحسن { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } بل (وهو فسق) وأجيب عن الأول بأنه دخل بقوله: { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ }

السابقالتالي
2 3 4 5