الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً }

أي سبع سماوات قوية الخلق محكمة لا يسقط منها ما يمنعكم المعاش، والتعبير عن خلقها بالبناء للإشارة إلى تشبيهها بالقباب المبنية على سكنتها، وقيل للإشارة إلى أن خلقها على سبيل التدريج وليس بذاك. وفيه أن السماء خيمية لا سطح مستو وفي الآثار ما يشهد له ولا يأباه جعلها سقفاً في آية أخرى وقد صح في العرش ما يشهد بخيمية أيضاً. والفلاسفة السالفون على استدارتها ويطلقون عليها اسم الفلك واستدلوا على ذلك حسب أصولهم بعد الاستدلال على استدارة السطح الظاهر من الأرض ولا يكاد يتم لهم دليل عليه قالوا الذي يدل على استدارة السماء هو أنه متى قصدنا عدة مساكن على خط واحد من عرض الأرض وحصلنا الكواكب المارة على سمت الرأس في كل واحدة منها ثم اعتبرنا أبعاد ممرات تلك الكواكب في دائرة نصف النهار بعضها من بعض وجدناها على نسب المسافات الأرضية بين تلك المساكن كذلك وجدنا ارتفاع القطب فيها متفاضلاً بمثل تلك النسب فتحدب السماء في العرض مشابه لتحدب الأرض فيه لكن هذا التشابه موجود في كل خط من خطوط العرض وكذا في كل خط من خطوط الطول فسطح السماء بأسره مواز لسطح الظاهر من الأرض بأسره وهذا السطح مستدير حساً فكذا سطح السماء الموازي له، وأيضاً أصحاب الأرصاد دونوا مقادير أجرام الكواكب وأبعاد ما بينها في الأماكن المختلفة في وقت واحد كما في أنصاف نهار تلك الأماكن مثلاً متساوية وهذا يدل على تساوي أبعاد مراكز الكواكب عن مناظر الأبصار المستلزم لتساوي أبعادها عن مركز العالم لاستدارة الأرض المستلزم لكون السماء كرية، وزعموا أن هذين أقرب ما يتمسك بهما في الاستدارة من حيث النظر التعليمي. وفي كل مناقشة أما الثاني فالمناقشة فيه أنه إنما يصح لو كان الفلك عندهم ساكناً والكوكب متحركاً إذ لو كان السماء متحركاً جاز أن يكون مربعاً ويكون مساواة أبعاد مراكز الكواكب عن مناظر الأبصار وتساوي مقادير الأجرام للكواكب حاصلاً وأما الأول: فالمناقشة فيه أنه إنما يصح لو كان الاعتدال المذكور موجوداً في كل خط من خطوط الطول والعرض وهو غير معلوم، وأما غير ماذكر من أدلتهم فمذكور مع ما فيه في «نهاية الإدراك في دراية الأفلاك» فارجع إليه إن أردته.

بقي هٰهنا بحث وهو أن العطف إذا كان على الفعل المنفي بلم داخلاً في حكمه يلزم أن يكون بناء سبع سمٰوات شداد فوق معلوماً للمخاطبين وهم مشركو مكة المنكرون للبعث كما سمعت ليتأتى تقريرهم به كسائر الأمور السابقة واللاحقة، فيقال إن كون السمٰوات سبعاً مما لا يدرك بالمشاهدة وهم المكذبون بالنبـي صلى الله عليه وسلم فلا يصدقونه بمثل ذلك مما معرفته بحسب الظاهر إنما هي من طريق الوحي.

السابقالتالي
2