الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ }

حين يخاطب الله المؤمنين ويناديهم بقوله: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 118] فلتعلم أن ما يجيء بعد ذلك هو تكليف من الحق سبحانه. فساعة ينادي الحق المؤمنين به، فإنه ينادي ليكلف، وهو سبحانه لا يكلف إلا من آمن به، أما حين يدعو غير المؤمن به إلى رحاب الإيمان، فإنه يثير فيه القدرة على التفكير، فيقول له: فكّر في السماء، فكّر في الأرض، فكّر في مظاهر الكون، حتى تؤمن أن للكون إلهاً واحداً. فإذا آمن الإنسان بالإله الواحد، فإن الحق سبحانه وتعالى يقول له ما دمت قد آمنت بالإله الواحد، فَتَلَقَّ عن الإله الحكُم. إن الحق حين يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 118] فهو سبحانه يخاطب بالتكليف المؤمنين به، وهو لا يكلف بـ " افعل " و " لا تفعل " إلاّ مَنْ آمن، أما من لم يؤمن فيناديه الله ليدخل في حظيرة الإيمان:يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } [البقرة: 21] فإذا ما دخل الإنسان في حظيرة الإيمان فالحق سبحانه وتعالى يكرم هذا المؤمن بالتكليف بـ " افعل " و " لا تفعل " وما دام العبد قد آمن بالإله القادر الحكيم الخالق، القيوم، فليسمع من الإله ما يصلح حياته. ويجيء في بعض الأحيان ما ظاهره أن الله ينادي مؤمناً به، ثم يأمره بالإيمان كقول الحق: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 118]. ويتساءل الإنسان كيف ينادي الله مؤمناً به، ثم يأمره بالإيمان؟ وهنا نرى أن المطلوب من كل مؤمن أن يؤدي أفعال الإيمان دائماً ويضيف لها ليستمر ركب الإيمان قوياً، فالحق حين يطلب من المؤمن أمراً موجوداً فيه فلنعلم أن الله يريد من المؤمن الاستدامة على هذا اللون من السلوك الذي يحبه الله، وكأن الحق حين يقول: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 118] إنما يحمل هذا القول الكريم أمراً بالاستدامة على الإيمان، لأن البشر من الأغيار. ونحن نعرف أن الله أفسح بالاختيار مجالاً لقوم آمنوا فارتدوا، فليس الأمر مجرد إعلان الإيمان ثم تنتهي المسألة، لا، إن المطلوب هو استدامة الإيمان. وحين نقرأ قول الحق: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 118] فلنفهم أن هناك تكليفاً جديداً، وما دام في الأمر تكليف فعنصر الاختيار موجود، إذن فحيثية كل حكم تكليفي من الله له مقدمة هي: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [آل عمران: 118] ولا تبحث أيها المؤمن في علة الحكم، وتسأل: لماذا كلفتني يارب بهذا الأمر؟ فليس من حقك أيها المؤمن أن تسأل: " لماذا " ما دمت قد آمنت فالحق سبحانه لم يكلف إلا من آمن به، فإذا كنت - أيها المؤمن - قد آمنت بأنه إله صادق قادر حكيم فأمن الله على نفسك، ونفذ مطلوب الله بـ " افعل " و " لا تفعل " سواء فهمت العلة أم لم تفهمها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8