الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله: { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } ، إلى قوله: { هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }.

قوله: { مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } ، رفع القلوب عند سيبويه بـ: { يَزِيغُ } ، و { كَادَ } ، فيها إضمار الحديث.

ويجوز أن ترفع القلوب بـ: { كَادَ } ، ويكون التقدير: من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ.

وقال أبو حاتم: من قرأ: { يَزِيغُ } بالياء، لا يجوز أن يرفع القلوب بـ: { كَادَ } ، وهو جائز عند غيره على تذكير الجمع.

والمعنى: لقد رزق الله رسوله الإنابة إلى أمره، ورزق المهاجرين وذراريهم وعشيرتهم الإنابة إلى أمره، ورزق الأنصار ذلك، { ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } وهي غزوة تبوك، خرجوا في حر شديد، فاشتد عليهم العطش، فكانوا ينحرون إبلهم، ويعصرون كروشها، ويشربون ماءها، فهي العسرة التي لحقتهم، قال ذلك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فسأل أبو بكر النبي عليه السلام، أن يدعو، فدعا، فأمطروا فشربوا وملأوا ما معهم. قال عمر: ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.

وكانوا أيضاً في قلة من الظَّهر وقلة من مال.

قال مجاهد: أصابهم جَهْد شديد، حتى إنَّ الرجلين يشقان التمرة بينهما.

وقوله: { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ }.

أي: ليثبتوا على التوبة، كما قال:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ } [النساء: 136]، أي: اثبتوا على الإيمان.

وقيل: المعنى: ثم فسح عليهم، ولم يعجل عقابهم ليتوبوا.

وقيل المعنى: ثم وفقهم الله للتوبة.

يقال: " تاب الله عليه " ، أي: دعاه إلى التوبة، و " تاب عليه " ، أي: وفقه للتوبة، و " تاب عليه " قَبِل توبته.

وقوله:وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 106].

أي: وإما يوفقهم للتوبة.

وأصل التوبة في اللغة، الرجوع عما كان عليه.

وهي تكون بثلاث شرائط: الندم على ما كان منه، والإقلاع عن المعصية، وترك الإصرار.

{ وَٱلأَنصَارِ } وقف.

ثم قال: { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ }.

أي: وتاب على الثلاثة الذين خُلِّفُوا، فلم يفعلوا فعل أبي لُبابة وأصحابه، إذ ربطوا أنفسهم في السواري، وقالوا: لا نَطْعم ولا نَحُل حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي يحلنا بتوبة من الله والثلاثة هم الآخرون الذين أرجأ أمرهم المؤمنون، فقال قوم: هلكوا، وقال قوم: عسى الله أن يتوب عليهم.

قال عكرمة وقتادة: خُلِّفُوا عن التوبة.

وقرأ عكرمة: " خَلَفُوا " أي: أقاموا بِعَقِبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال محمد بن عرفة نفطوية: خلفوا عن أن يكونوا منافقين، ويعتذروا فيعذروا؛ لأنهم صدقوا، ولم يأتوا بعذر كذب.

وقرأ جعفر بن محمد: " خَالَفُوا ".

قوله: { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ }.

أي: بسعتها، غمًّا منهم وندماً على تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ }.

السابقالتالي
2 3