الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }

بعد أن بَيَّنَ الله سبحانه وتعالى أن له كل شيء في الكون لا يشغله شيء عن شيء.. أراد أن يرد على الذين حاولوا أن يجعلوا لله معيناً في ملكه.. الذين قالوا اتخذ الله ولداً.. الله تبارك وتعالى رد عليهم أنه لماذا يتخذ ولداً وله ما في السماوات والأرض كل له قانتون.. وجاء الرد مركزاً في ثلاث نقاط.. قوله تعالى: " سبحانه " أي تنزه وتعالى أن يكون له ولد.. وقوله تعالى: { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [البقرة: 116].. فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعاً له فما حاجته للولد؟ وقوله سبحانه: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [البقرة: 116].. أي كل من في السماوات والأرض عابدون لله جل جلاله مقرون بألوهيته. قضية إن لله سبحانه وتعالى ولداً جاءت في القرآن الكريم تسع عشرة مرة ومعها الرد عليها.. ولأنها قضية في قمة العقيدة فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد أخرى.. وإذا نظرت للذين قالوا ذلك تجد أن هناك أقوالاً متعددة.. هناك قول قاله المشركون.. واقرأ القرآن الكريم:أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } [الصافات: 151-153]. وقول اليهود كما يروي لنا القرآن:وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ.. } [التوبة: 30]. وقول النصارى:وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ.. } [التوبة: 30]. ثم في قصة خلق عيسى عليه السلام من مريم بدون رجل.. الله سبحانه وتعالى يقول:وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ ٱلسَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [مريم: 88-93]. والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن هذا ادعاء خطير مستقبح مستنكر وممقوت.. لقد عالجت سورة مريم المسألة علاجاً واسعاً.. علاجاً اشترك فيه انفعال كل أجناس الكون غير الإنسان.. انفعال السماوات والأرض والجبال وغيرها من خلق الله التي تلعن كل من قال ذلك.. بل وتكاد شعوراً منها بفداحة الجريمة أنْ تنفطر السماء أي تسقط قطعاً صغيرة.. وتنشق الأرض أي تتمزق.. وتخر الجبال أي تسقط كتراب.. كل هذا من هول ما قيل ومن كذب ما قيل.. لأن هذا الادعاء افتراء على الله. ولقد جاءت كل هذه الآيات في سورة مريم التي أعطتنا معجزة خلق عيسى.. كما وردت القضية في عدة سور أخرى. والسؤال هنا ما هي الشبهة التي جعلتهم يقولون ولد الله؟ ما الذي جعلهم يلجأون إلى هذا الافتراء؟ القرآن يقول عن عيسى بن مريم.

السابقالتالي
2 3