الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }

{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ }.

{ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } لما بين تعالى في أول السورة وما بعدها أن البراءة من المشركين والمنافقين واجبة، بيّن سبحانه هنا ما يزيد ذلك تأكيداً، حيث نهى عن الإستغفار لهم بعد تبين شركهم وكفرهم؛ لأن ظهوره موجب لقطع الموالاة، حتى مع الأقرباء، لأن قرابتهم وإن أفادتهم المناسبة بهم والرحمة بهم، فلا تفيدهم قبول نور الإستغفارإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [النساء: 48] فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد الله ووعيده. ثم ذكر تعالى أن السبب في استغفار إبراهيم لأبيه، أنه كان لأجل وعد تقدم منه له، بقوله:سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ } [مريم: 47]، وقوله:لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [الممتحنة: 4]، وإنه كان قبل أن يتحقق إصراره على الشرك { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } ذلك { تَبَرَّأَ مِنْهُ } ، أي: من أبيه بالكلية، فضلاً عن الإستغفار له. وبيّن تعالى الحامل لإبراهيم على الإستغفار، بأنه فرط ترحّمه وصبره بقوله: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ } أي: كثير التأوه من فرط الرحمة، ورقة القلب { حَلِيمٌ } أي: صبور على ما يعترضه من الإيذاء، ولذلك حلم عن أبيه، مع توعده له بقوله:لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ } [مريم: 46]، واستغفر له بقوله:سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ } [مريم: 47] وذلك قبل التبيين، فليس لغيره أن يأتسي به في ذلك.

وفي الآية تأكيد لوجوب الاجتناب بعد التبيين، بأنه صلى الله عليه وسلم تبرأ من أبيه بعد التبيين، وهو في كمال رقة القلب والحلم، فلا بد أن يكون غيره أكثر منه اجتناباً وتبرؤاً.

تنبيهات

الأول: ساق المفسرون هاهنا روايات عديدة في نزول الآية، ولما رآها بعضهم متنافية، حاول الجمع بينها بتعدد النزول، ولا تنافي، لما قدمناه من أن قولهم (نزلت في كذا) قد يراد به أن حكم الآية يشمل ما وقع من كذا، بمعنى أن نزولها يتناوله. وقد يراد به (أن كذا كان سبباً لنزولها)، وما هنا من الأول، ونظائره كثيرة في التنزيل، وقد نبهنا عليه مراراً، لا سيما في المقدمة. فاحفظه.

الثاني: قال عطاء بن أبي الرباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة، ولو كانت حبشية حبلى من الزنى، لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين، ثم قرأ الآية وهذا فقه جيّد.

الثالث: قال بعض اليمانيين: استدل بالآية على أن من تأوه في الصلاة لم تبطل. وهذا يحكى عن أبي جعفر: إذا قال: (آه) لم تبطل صلاته، لأنه تعالى مدح إبراهيم عليه السلام بذلك، ومذهب الأئمة بطلانها، سواء قال: (آه) أو (أوه)؛ لأن ذلك من كلام الناس، ولم يذكر تعالى أن تأوه إبراهيم كان في الصلاة.

السابقالتالي
2