الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قوله تعالى: { وَهُوَ مُحْسِنٌ }: جملةٌ في موضعِ نصبٍ على الحالِ والعاملُ فيها " أَسْلم " ، وعَبَّر بالوجهِ لأنه أشرفُ الأعْضاءِ وفيه أكثرُ الحواسِّ، ولذلك يقال: وَجْهُ الأمرِ أي مُعظَمُه قال الأعشى:
679 ـ أُؤوِّلُ الحُكْمَ على وَجْهِهِ   ليسَ قضائي بالهوى الجائِرِ
ومعنى أَسْلَمَ: خَضَع، ومنه:
680 ـ وأَسْلَمْتُ وَجْهي لِمَنْ أَسْلَمَتْ   له المُزْنُ تَحْمِيلُ عَذْباً زُلالا
وهذه الحالُ مؤكِّدة لأنَّ مَنْ أَسْلَمَ وجهه لله فهو مُحْسِنٌ، وقال الزمخشري: " وهو مُحْسِنٌ له في عمله " فتكونُ على رأيه مبيِّنة، لأنَّ مَنْ أَسْلَم وجهَه قسمان: مُحْسِنٌ في عمله وغيرُ محسنٍ. قال الشيخ: " وهذا منه جُنوحٌ إلى الاعتزال ".

قوله { فَلَهُ أَجْرُهُ } الفاءُ جوابُ الشرطِ إنْ قيل بأنَّ " مَنْ " شرطية، أو زائدةٌ في الخبرِ إنْ قيل بأنَّها موصولةٌ، وقد تقدَّم تحقيقُ القولين عند قولِهبَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً } [البقرة: 81] وهذه نظيرُ تلك فَلْيُلْتفتُ إليها. وهنا وجهٌ آخرُ زائدٌ على ما في تلك ذكره الزمخشري وهو أن تكونَ " مَنْ " فاعلةً بفعلٍ محذوفٍ أي: بلى يَدْخُلها مَنْ أَسْلم، و " فله أجرُه " كلامٌ معطوفٌ على يَدْخُلَها. هذا نصُّه. و " له أجره " مبتدأٌ وخبرُه، إمَّا في محلّ ِجزمٍ أو رفعٍ على حَسَبِ ما تقدَّم من الخلافِ في " مَنْ " ، وحُمِل على لفظِ " مَنْ " فأُفْرِدَ الضميرُ في قوله: { فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ } وعلى معناها فجُمع في قولِه: { عليهم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، وهذا أحسنُ التركيبين - أعني البَداءَةَ بالحَمْلِ على اللفظ ثم الحَمْلِ على المعنى. والعاملُ في " عند " ما تعلَّق به " له " من الاستقرارِ، ولمَّا أحال أجرَه عليه أضافَ الظرفَ إلى لفظةِ الربِّ لِما فيها من الإِشعار بالإِصلاحِ والتدبيرِ، ولم يُضِفْهُ إلى الضمير ولا إلى الجلالةِ فيقول: فله أجرهُ عنده أو عندَ الله، لما ذكرْتُ لك، وقد تقدَّم الكلامُ في قولِه تعالى: " ولا خَوْفٌ " وما فيه من القرآءت.