الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }

{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰـئِكَةَ } تصريحٌ بما أشعَرَ به قولُه عز وجل:وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام، الآية 109] من الحكمة الداعيةِ إلى ترك الإجابةِ إلى ما اقترحوه من الآيات إثرَ بـيانِ أنها في حُكمه وقضائه المبنيِّ على الحِكَم البالغةِ لا مدخلَ لأحد في أمرها بوجه من الوجوه، وبـيانٌ لكذبهم في أيْمانهم الفاجرةِ على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه أي ولو أننا لم نقتصِرْ على إيتاء ما اقترحوه هٰهنا من آية واحدةٍ من الآيات بل نزلنا إليهم الملائكةَ كما سألوه بقولهم:لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَـئِكَةُ } [الفرقان، الآية 21] وقولِهم:لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلَـٰـئِكَةِ } [الحجر، الآية 7] { وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } وشهدوا بحقية الإيمانِ بعد أن أحيـيناهم حسبما اقترحوه بقولهم: فأتوا بآبائنا { وَحَشَرْنَا } أي جمعنا { عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلاً } بضمتين وقرىء بسكون الباء أي كُفَلاءَ الأمرِ وصدقِ النبـي صلى الله عليه وسلم، على أنه جمعُ قَبـيل بمعنى الكفيل كرغيف ورُغُف وقضيب وقُضُب وهو الأنسب بقوله تعالى:أَوْ تَأْتِىَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلَـئِكَةِ قَبِيلاً } [الإسراء، الآية 92] أي لو لم نقتصِرْ على ما اقترحوه بل زدنا على ذلك بأن أحضرنا لديهم كلَّ شيءٍ يتأتّى منه الكفالةُ والشهادةُ بما ذُكر لا فرادى بل بطريق المعيةِ. أو جماعاتٍ على أنه جمعُ قَبـيلٍ وهو جمعُ قبـيلة، وهو الأوفق لعموم كلِّ شيءٍ وشمولِه للأنواع والأصنافِ أي حشرنا كلَّ شيء نوعاً نوعاً وصنفاً صنفاً وفوجاً فوجاً، وانتصابُه على الحالية وجمعيتُه باعتبار الكل المجموعيِّ اللازمِ للكل الإفراديِّ أو مقابلةً وعِياناً على أنه مصدرٌ كقِبَلا، وقد قرىء كذلك، وانتصابُه على الوجهين على أنه مصدرٌ في موقع الحالِ، وقد نقل عن المبرِّد وجماعةٍ من أهل اللغة أن الأخيرَ بمعنى الجهة كما في قولك: لي قِبَلَ فلانٍ حقٌّ، وأن انتصابَه على الظرفية { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } أي ما صح وما استقام لهم الإيمانُ لتماديهم في العصيان وغلوِّهم في التمرد والطُّغيانِ، وأما ما سبق القضاءُ عليهم بالكفر فمن الأحكامِ المترتبةِ على ذلك حسبما ينبىء عنه قولُه عز وجل:وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الأنعام، الآية 110] وقوله تعالى: { إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوالِ، والالتفاتُ إلى الاسم الجليل لتربـية المهابةِ وإدخالِ الروعة، أي ما كانوا ليؤمنوا بعد اجتماعِ ما ذكر من الأمورِ الموجبةِ للإيمان في حال من الأحوال الداعيةِ إليه المتمِّمة لموجباته المذكورةِ إلا في حال مشيئتِه تعالى لإيمانهم أو من أعمّ العللِ أي ما كانوا ليؤمنوا لعلة من العلل المعدودةِ وغيرِها إلا لمشيئته تعالى له، وأياً ما كان فليس المرادُ بالاستثناء بـيانَ أن إيمانَهم على خطر الوقوعِ بناءً على كون مشيئتِه تعالى أيضاً كذلك بل بـيانَ استحالةِ وقوعِه بناءً على استحالة وقوعِها كأنه قيل: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله وهيهاتَ ذلك وحالُهم حالُهم بدليل ما سبق من قوله تعالى:

السابقالتالي
2