الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ حتَّى إذا اسْتيأسَ } أى ضجروا ضجرا شديدا من طول تأخير النصر شبيها بالإياس، وحاشاهم أن ييأسوا من شئ وعده الله لهم، وهذه لا يتصور ممن صدق إيمانه فضلا عن نبى، أو المراد ما يحدث فى النفس وتعاند به من القنوط، مع أنك غير جازم به، ولا مساعد لها، وهم بشر وحتى للابتداء،وليست إلا ابتدائية خارجة عن الغاية بالكلية كما قد يتوهم، فإن معناها كمعنى فاء السببية، والتسبب غاية من حيث أنه ارتباط، وأن استيئاسهم مسبب عن تراخى النصر، وليست جارة لإذا على الصحيح ولا متعلقة، ومن أطلق أنها متعلقة كالزمخشرى، فمراده التعلق المعنوى، فإن معناها مع ما بعدها متعلق لمحذوف، ومرتبط به أى لا يغرر قومك يا محمد تمادى إياهم، فإن من قبلهم أمهلوا وتراخى نصر الله الرسل عليهم حتى إذا استيأس الرسل عن النصر عليهم، أو عن إيامانهم لعدم ما يكفيهم عن الكفر، ووجود مقتضياتهم من كونهم غالبين ومترفهين. { وظنُّوا } أى أيقن الرسل { أنهم قَدْ كُذِبوا } أى أنهم قد كذبهم قومهم إلى الأبد، لا تكذيبا يرجى له الإيمان كما أشار إليه قتادة، فالضمائر كلها للرسل، أو الظن بمعنى عدم اليقين رجحانا أو شكا، فالمكذبون على هذا بكسر الذال هم المؤمنون، أى وظن الرسل من غير قطع أنهم قد كذبهم من آمن بهم لرؤيته تغلب الكفرة، وعدم النصر، وشدة المحنة عليهم كما قال عروة بن الزبير، والضمائر أيضا للرسل، وليس هذا الظن بالمؤمنين الذى بمعنى الرجحان مؤاخذا عليه لأنه يجئ مثلا فى نفوس الرسل ضرورة، وذلك قراءة نافع، وابن كثير، وأبى عمرو، وابن عامر بالبناء للمفعول والتشديد، وكذا تقرأ عائشة، وقرا الباقون بتخفيف الذال والبناء للمفعول، أى كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم لا ينصرون بتخفيف ذال كذبتهم، أى لم تخبرهم بصدق، والضمائر أيضا للرسل، وهكذا إذا قلنا كذبهم رجاؤهم بالتخفيف، أى لم يطابق لهم النصر، وهكذا إذا قلنا كذبهم قومهم بالتخفيف، أى لم يخبرهم قومهم بصدق أى وعدوا لهم الإيمان مطلقا، أو على شرط الإتيان بآية. وإن قلنا إن المعنى ظن القوم أن رسلهم قد كذبوا بالتخفيف، أى لم يخبرهم بصدق من أمرهم بدعاء الخلق إلى الله، أو بمجئ الوعيد والنصر على عدم إجابة الخلق لهم قالوا وفى ظنوا للمرسل إليهم بفتح السين، وفى أنه وفى كذبوا للرسل، فكأنه قيل ظن القوم أن رسلهم قد أخلفهم الله أو جبريل الوعد تعالى الله وجبريل عن ذلك. وعن ابن عباس ان الرسل ظنوا أن الله أو جبريل أخلفهم الوعد، فإن صح عنه هذا فمعنى ظنهم ما تحدث به النفس على طريق الوسوسة، والإنسان كاره له ناف، وهى تعاند به كما روى عنه أنه قال إن الرسل بشر يعنى تحدثهم أنفسهم كما تحدث غيرهم نفسه، أو المراد بظنهم التمثيل لشدة تأخير النصر.

السابقالتالي
2