الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

وهذه الآية تتناول قضية عقدية قد تكون شُغُل الناس الشاغل في الدعاء لله تعالى، وقد لا يُجاب دعاؤهم مع كثرة الدعاء، ويُحزنهم على أنفسهم، ويقول الواحد منهم: لماذا لا يقبل الله دعائي؟ أو يقع بعضهم في اليأس. ونقول لكل إنسان من هذا الفريق: لا، أنت تدعو، مرة تدعو بالشر ومرة تدعو بالخير، فلو أن الله سبحانه وتعالى قد أجابك في جميع الدعاء، فسوف يجيب دعاءك في الشر ودعاءك في الخير، ولو أن الله سبحانه وتعالى عجَّل لك دعاء الشر، كما تحب أن يُعجَّل لك دعاء الخير، لَقُضِي إليك أجلك وانتهت المسألة، وهناك من قالوا:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. ولو استجاب الحق لمثل هذا الدعاء، لكان وبالاً على مَنْ دعوا ذلك الدعاء. إذن: فمن مصلحتك حين تدعو على نفسك أو تدعو بأي وبال ألا يجيبك الله تعالى، وافهم أن لله تعالى حكمة في الإجابة لأنه سبحانه وتعالى مُنزَّه عن أن يكون موظفاً عند الخلق، ومَن يدعُهُ بشيء يجبه عليه، بل لا بد من مشيئته سبحانه في تقرير لون الإجابة لأنه لو كان الأمر عكس ذلك لانتقلت الألوهية للعبد. لقد صان الحق سبحانه عباده بوضع رقابة على الدعاء وأنت تعتقد أن دعاءك بخير، ولكن رقابة الحق سبحانه التي تعلم كل شيء أزلاً تكاد أن تقول لك: لا، ليس خيراً. وانتظر الخير بعدم استجابة دعائك لأنه القائل سبحانه:وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ... } [البقرة: 216]. إذن: فمعرفتك ليست نهائية في تقرير الخير والشر لذلك دَعِ الإلهَ الأعلى - وهو المأمون عليك - أن يستجيب أو لا يستجيب لما تدعوه وأنت في ظنك أنه الخير، فالمعرفة العليا هي التي تفرق بين الخير والشر، وفي المنع - أحياناً - عين العطاء ولذلك يقول الحق:وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [الإسراء: 11]. وقد تلحّ في دعاء لو استجيب لك لكان شرّاً. والله سبحانه يعلم ما هو الخير لك، وهو سبحانه يجيب أحياناً بعض خلقه في أشياء كان الإنسان منهم يتمنى أن توجد، ثم يكتشف الإنسان أنها لم تكن خيراً، وأحياناً يأتي لك بأشياء كنت تظن أنها شر لك، فتجد فيها الخير. وهكذا يصحّح لك الحق سبحانه بحكمته تصرفاتك الاختيارية. وقد قال الكافرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم.ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. ومن قالوا هذا القول هم: العاص بن وائل السهمي، والوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد المطلب والأسود بن عبد يهود، وكانوا قد وصلوا إلى قمة الاضطراب فهم قد اضطربوا أولاً حين اتهموه بأنه ساحر، ولم ينتبهوا إلى غباء ما يقولون لأنه إن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدرة السحر فلماذا لم يسحرهم هم ليؤمنوا أيضاً؟ واضطربوا مرة ثانية، وحاولوا أن يقولوا: إن القرآن شعر، أو له طبيعة الشعر والكلام المسجوع، والقرآن ليس كذلك.

السابقالتالي
2 3 4