الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (كَانَ الْمَالُ لِلْبنْتَيْنْ؛ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبيْنَ إلَى أنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ثُمَّ صَارَ ذلِكَ مَنْسُوخاً بهَا). ومعناهَا: يَعْهَدُ اللهُ إليكُم وَيَفْرِضُ عليكُم في أولادِكم إذا مِتُّمْ: لِلذكَرِ الواحدِ من الأولادِ مِثْلُ نَصِيْب الأُنْثَيَيْنِ في الميراثِ، واسمُ الولدِ يتناولُ وَلَدَهُ مِن صُلْبهِ حقيقةً وَلَدَ وَلَدِهِ في النِّسبةِ والتعصيب، ولكنَّهم مِن ذوي الأرحامِ مَجَازاً، فإذا كان للميِّت ولدٌ من صُلْبهِ وجبَ حملُُ اللفظ على الحقيقةِ، وإن لم يكن لهُ وَلَدٌ من صُلْبهِ حُمِلَ على مَن كان مِن صُلْب بَنِيْهِ مَجازاً، وأمَّا ولدُ البَنَاتِ فلا يُعَدُّ مِن وَلَدِهِ في النِّسبةِ والتعصب، ولكنَّهم مِن ذوي الأرحامِ. قال الشاعرُ:
بَنُونَا بَنُوا أبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا   بَنُوهُنَّ أبْنَاءُ الرِّجالِ الأبَاعِدِ
وعن هذا قالَ أصحابُنا: فَمَنْ أوْصَى لولدِ فلانٍ أنَّ ذلك لولدهِ لصلب، فإن لم يكن لهُ ولدٌ من صُلْبهِ فهو ولدُ ابنهِ، ولا يدخلُ أولادُ البناتِ في هذه الوصيَّة على أظهرِ الرِّوايتينِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ }؛ أي إنْ كان الأولادُ نساءً أكثرَ من اثنتين ليس معهُنَّ ذكَرٌ؛ { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ }؛ مِن المالِ، والباقِي للعَصَبَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ }؛ قَرَأَ العامَّة بالنصب على خبرِ كَانَ، وقرأ نافعُ وَحْدَهُ بالرفعِ على أنَّ معناهُ: وَإنْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ فحينئذٍ لا خبرَ لهُ، وقراءةُ النصب أجْوَدُ، وتقديرهُ: فإن كانت المولودةُ واحدةً.

فإنْ قيل: لِمَ أعْطَيْتُمُ الْبنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ وفي الآيةِ إجَابُ الثُّلُثَيْنِ لأكْثَرَ مِنَ الابْنَتَيْنِ؟ قِيْلَ: فِي فحوَى الآيةِ دليلٌ على أن فَرْضَ الابنتين الثُّلُثَانِ؛ لأنَّ في أوَّلِها { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } ، فَيقتضِي أنَّ للابنةِ الواحدة مع الابن الثُّلُثُ، فإنْ كان لها معهُ الثُّلُثُ كانت تأخذُ الثُّلُثَ مع عدمهِ أولَى، فاحْتَجْنَا إلى بيانِ حُكْمِ ما فوقَ الأُنثيين؛ فذلك نصٌّ على حُكْمِ ما فوقِهما، ويدلُّ عليه أنهُ اذا كانَ للابنِ الثُّلُثَانِ، وللابنةِ الثُّلُثُ دلَّ أن نصيبَ الأُنثيين الثُّلُثَانِ بحالٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ للذكرِ مثلُ حَظِّ الأُنثيين.

وجوابٌ آخر: أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ للأُخت من الأب والأمِّ النصفَ في آخرِ هذه السورة، كما جعلَ للابنة النصفَ في هذه الآيةِ، وجعلَ للأُختينِ هناك الثُّلُثَيْنِ، فأعطينَا الاثنين الثُّلُثَيْنِ قياساً على الأُختين في تلكَ الآيةِ؛ وأعطينَا جُمْلَةَ الأخواتِ الثُّلُثَين قياساً على البناتِ في هذه الآية.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ }؛ أي لأَبَوَي الميِّت كنايةً عن غيرِ المذكور لكلِّ واحدٍ منهما السُّدُسُ؛ { إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ }؛ أو وَلَدُ ابنٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ }؛ أي إن لَم يكن للميِّت ولدٌ ذكَرٌ ولا أنثى، ولا وَلَدَ وَلَدٍ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ، والباقِي للأب.

السابقالتالي
2 3