الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }: هذه جملةٌ من مبتدأ وخبر، يُحْتمل أَنْ تكونَ في محلِّ نصبٍ بـ " يُوصي " لأِنَّ المعنى: يَفْرض لكم، أو يُشَرِّع في أولادكِم، كذا قاله أبو البقاء، وهذا يَقْرُبُ من مذهبِ الفراء فإنه يُجْري ما كان بمعنى القولِ مُجْراه في حكايةِ الجملِ بعده. قال الفراء: " ولم يَعْمل " يُوصيكم " في " مِثْل " ، إجراءً له مُجْرى القول في حكايةِ الجمل، فالجملةُ في موضع نصبٍ بـ " يُوصيكم ". وقال مكي: " للذَّكَرِ مثلُ حظ " ابتداءٌ وخبر في موضع نصب، تبيينٌ للوصية وتفسيرٌ لها. وقال الكسائي: " ارتفع " مثل " على حذْفِ " إنَّ " تقديره: " أنَّ للذكرِ مثلَ حظ ". وبه قرأ ابن أبي عبلة.

ويُحْتمل ألأَّ يكونَ لها محلٌّ من الإِعراب، بل جِيءَ بها للبيانِ والتفسيرِ، فهي جملةٌ مفسِّرة للوصية، وهذا أحسنُ وجارٍ على مذهب البصريين، وهو ظاهرُ عبارةِ الزمخشري فإنَّه قال: " وهذا إجمالٌ تفصيلُه { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }. وقوله: " للذَّكر " لا بدَّ من ضمير [فيه] يعود على " أولادكم " من هذه الجملة، فيُحتمل أن يكون محذوفاً، أي: للذكر منهم نحو: " السَّمْنُ مَنَوانِ بدرهم " قاله الزمخشري. ويُحْتمل أن يكونَ قامَ مقامَه الألفُ واللامُ عند مَنْ يَرَى ذلك، والأصلُ: لِذَكَرِهم.

و " مثلُ " صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي: للذَّكرِ منهم حَظُّ مثلُ حَظِّ الأنثيين. و { فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ } قيل: ثَمَّ مضافٌ محذوف أي: في أولادِ موتاكم. قالوا: لأنه لا يَجُوزُ أَنْ يُخاطَبَ الحيُّ بقسمةِ الميراثِ في أولادِه ويُفْرََضَ عليه ذلك. وقال بعضُهم: " إنْ قلنا: إنَّ معنى " يُوصيكم " " يبيِّن لكم " لم يحتج إلى هذا التقدير ". وقَدَّر بعضُهم قبل " أولادكم " مضافاً أي: في شأنِ أولادِكم، أو في أمرِ أولادكم.

وقرأ الحسن وابن أبي عبلة: " يُوَصِّيكم " بالتشديد، وقد تقدَّم أنَّ أوصي ووصَّى لغتان.

قوله: { فَإِن كُنَّ نِسَآءً } الضميرُ في " كُنَّ " يعودُ على الإِناث اللاتي شَمَلَهُنَّ قولُه { فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ }. فإنَّ التقدير: في أولادكم الذكورِ والإِناثِ، فعادَ الضميرُ على أحدِ قِسْمَي الأولادِ، وإذا عاد الضمير على جمعِ التكسيرِ العاقلِ المرادِ به مَحْضُ الذكور في قوله عليه السلام: " وربَّ الشياطين ومَنْ أَضْلَلْن " كعَوْدِه على جماعةِ الإِناث، فَلأنْ يعودَ كذلك على جمع التكسيرِ الشاملِ للإِناثِ بطريقِ الأَوْلَى والأحرى، وهذا معنى قولِ الشيخ. وفيه نظرٌ لأنَّ عودَه هناك كضميرِ الإِناث إنما كان لمعنىً مفقودٍ هنا، وهو طلبُ المشاكلة لأنَّ قبلَه " اللهم ربََّ السماوات ومَنْ أَظْلَلْنَ، وربَّ الأرضين وما أَقْلَلْنَ " ذَكَر ذلك النحويون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6