الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ }؛ أخبرنا الشيخان أبو القاسم بن عبد الله العطار، وعلي بن رُوزبة الصوفي، قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا أبو محمد بن حمويه، أخبرنا الفربري، أخبرنا البخاري، أخبرنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، أن ابن جريج أخبرهم [قال]: أخبرني ابن المنكدر، عن جابر: قال: " عَادَنِي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بَني سَلِمَةَ مَاشِيَيْن، فَوَجَدَني النبي صلى الله عليه وسلم لا أَعْقِلُ، فَدَعَا بمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْه، ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ في مَالِي يَا رَسُولَ الله؟ فَنَزَلَتْ: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ } ".

هذا حديث اتفق أئمة الإسلام على إخراجه في كتبهم، فأخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري ومسلم في صحيحيهما، وأبو داود في سننه، والترمذي في جامعه.

وقد أخرج أبو داود أيضاً، والترمذي من حديث جابر: " أنَّ امْرَأَة سَعْدِ بْنِ الرَّبيعِ جَاءَتْ بابْنَتَيْهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله؛ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً، ووالله لاَ يُنْكَحَانِ أبداً إِلا وَلَهُمَا مَالٌ، فَمَا تَرَى يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: يَقْضِي الله في ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ المِيرَاثِ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا لِي المَرْأَةَ وَصَاحِبَهَا، فَقَالَ لِلعَمّ: أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْد الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ ".

ومعنى " يوصيكم الله ": يعهد إليكم ويأمركم، " في أولادكم " أي: في شأن ميراثهم.

ثم فَصَّلَ ما أَجْمَلَ فقال: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }.

{ فَإِن كُنَّ } يعني: المتروكات، أو الوارثات، { نِسَآءً } خُلَّصاً، لا ذَكَر معهن، { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } أجمعت الأُمَّة على أن لما فوق الثنتين الثلثين، وأما الثنتان فكذلك في قول عامة أهل العلم، إلا ابن عباس، فإنه اعتصم بظاهر الآية، ولم يعط الثُلُثين إلا لأكثر من ثنتين.

قال القاضي أبو يعلى: إنما نص على ما فوق الاثنتين، والواحدة، ولم ينص على الاثنتين، لأنه لما جعل لكل واحدة مع الذكر الثُلُث كان لها مع الأنثى الثُلُث أولى.

وقال غيره: ذكر الفوق زائد؛ كقوله:فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } [الأنفال: 12].

قوله: { وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً } وقرأ نافع: " واحدةٌ " بالرفع.

فمَن نَصَبَ فعلى معنى: فإن كانت الوارثة أو المتروكة واحدة.

ومَن رَفَعَ فعلى معنى: فإن وقعت وحدثت واحدة { فَلَهَا ٱلنِّصْفُ }.

قوله: { وَلأَبَوَيْهِ } يعني: لأبوي الميت، فيكون كناية عن غير مذكور، والمراد: الأب والأم فغُلِّب أحدهما، كالقَمَرَيْن والعُمَرَيْن.

وقيل: القياس أن يقال: أب وأبة؛ كابن وابنة، لكنهم اكتفوا بلفظ الأم، فلما ثُنِّي، رجع إلى القياس، وغُلِّب الأب للتذكير، أو للخِفَّة.

السابقالتالي
2