الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ } الآية.

المعنى: أن الله جل ذكره لمّا نزّل في " الشعراء "إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 4]، أقسم كفار قريش: { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } ، فقال المؤمنون: يا رسول الله، سل ربَّك أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فأنزل الله { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، وهو خطاب للمؤمنين السائلين النبي في ذلك.

وقيل: معنى الآية: أن الكفّار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية، وحلفوا ليؤمنن إِنْ أتت، فقال المؤمنون: يا رسول الله، سل ربك أن ينزلها (عليهم) حتى يؤمنوا، (فأنزل الله): وما يشعركم أيُّها المؤمنون بذلك؟، أي: بصحة قولهم (ثم قال) مستأنفاً مخبراً عنهم - بما يفعلون لو نزلت -: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. وهذا معنى الكسر، وهو الاختيار عند أكثر النحويين.

وهذه الآية هي التي توعّدوا بها / في الشعراء في قوله:إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [الشعراء: 4]، فقال الله لنبيه: { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } وهو القادر على إنزالها.

والذي سألوه هم أنهم قالوا: تجعل لنا الصفا ذهباً. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فجاءه جبريل فقال: إن شئت أصبح ذهباً، ولئن أرسل آية فلم يصدقوا عند ذلك لَيُعذِبَنّهم الله، وَ (إِنْ) شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بل يَتوبُ تائِبُهم " ، فأنزل الله: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ } الآية.

ومن قرأ بالتاء، فإنما هو خطاب للمشركين الذي سألوا الآية، ويحتمل وجهين:

- أحدهما: أن تكسر (إِنّ) على معنى: وما يشعركم ذلك، ثم استأنف بالإخبار عما سبق في علمه، وعِلم ما لو كان كيف كان يكون، فقال: إنها إذا جاءت لا تؤمنون أيها المشركون.

- ويحتمل أن تفتح (أنَّ)، ويكون المعنى: وما يُشعركم - أيُّها المشركون - أنها إذا جاءت تؤمنون؟، وتكون (لا) زائدة.

ومن قرأ بالياء فهو خطاب للمؤمنين الذين سألوا النبي أن يسأل آية ليؤمن المشركون عند نزولها على ما سألوا، وأقسموا إنهم يؤمنون إذا نزلت، ويحتمل معنيين:

أحدهما: فتح (أنَّ) ويكون المعنى: وما يشعركم - أيُّها المؤمنون - أنَّها إذا جاءت يؤمنون؟، أي: (ما) يدريكم أنَّهم يؤمنون إذا نزلت الآية. وتكون (لا) زائدة.

- والوجه الآخر: أن تكون (إنِّ) مكسورة، ويكون المعنى: وما يشعركم - أيها المؤمنون - ذلك. ثم استأنف فقال: { أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُون } ، يخبر بما يكون لو فعل بهم ذلك.

ويجوز في القراءتين جميعاً - الياء والتاء - أن تكون (أنَّها) - إذا فتحت - بمعنى " لعلها " ، وتكون (لا) غير زائدة.

السابقالتالي
2