الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

قوله: { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } الآية.

قل يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها، سُنَّتيِ ومنهاجي، وسمِّي الدِّين سبيلاً، لأنه الطَّريق الذي يؤدِّي إلى الثَّواب، ومثله:ٱدْعُ إِلِىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ } [النحل:125] والسَّبيل في أصل اللغة: الطريق، ثم شبهوا بها التعبُّدات؛ لأن الإنسان يمر عليها إلى الجنَّة.

قوله: { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } يجوز أن يكون مستأنفاً، وهو الظاهر، وأن يكون حالاً من الياءِ، و { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } حال من فاعل " أدْعُوا " أي: أدعوا كائناً على بصيرةٍ.

وقيل: تمَّ الكلام عند قوله: { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } ثم استأنف { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي }.

قوله { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } عطفٌ عليه، أي: على فاعل " أدْعُوا " ولذلك أكد بالضمير المنفصل، ويجوز أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف، أي: ومن اتَّبعني يدعو أيضاً، ويجوز أن يكون " عَلَى بَصِيرةٍ ": خبراً مقدماً، و " أنَا ": مبتدأ مؤخر، و " مَنِ اتَّبعَنِي " عطف عليه أيضاً، ومفعول " أدْعُوا " يجوز أن لا يراد، أي: أنا من أهل الدُّعاء إلى الله، ويجوز أن يقدَّر: أن أدعواالناس. وقرأ عبد الله: " هذَا سَبِيلِي " بالتَّذكير، وقد تقدَّم [الأنعام:55] أنه يذكَّر ويؤنَّث.

فصل

والمعنى: أدْعُوا إلى الله على بصيرةٍ على يقين، والبصيرةُ: هي المعرفة التي يميز بها بين الحقِّ والباطل، وهي الحجَّة والبرهان، " أنَا ومَنِ اتَّبعَنِي ": آمَنَ بي، وسار في طريقي، وسيرهُ: اتِّباع الدَّعوة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ.

قال الكلبيُّ، وابنُ زيد: حقٌّ على من اتَّبعه أن يدعو إلى ما دعى إليه ويذكِّر بالقرآن.

قال ابن عبَّاسٍ ـ رضي الله عنه ـ: يعني: أصحاب رسُول الله صلى الله عليه وسلم كانوا على أحسن طريقةٍ، وأقصد هداية معدن العلم، وكنز الإيمان وجند الرَّحمن.

قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " العُلمَاءُ أمَناءُ الرُّسلِ على عِبَادهِ، حيثُ يَحْفَظُونَ ما يدْعُونَ إليْهِ ".

ثم قال { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي: وقل: سبحان الله تنزيهاً عمَّا يشركون.

{ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } الذين اتَّخذوا من الله ضدًّا وندًّا. وهذه الآية تدلُّ على أنَّ علم الأصول حرفة الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، وأن الله تعالى ـ ما بعثهم إلى الخلقِ إلا لأجلها.