الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } أي: نوردها على وجوه كثيرة في سائر المواضع، لتكمل الحجة على المخالفين، { وَلِيَقُولُواْ } في ردها: { دَرَسْتَ } أي: قرأت على غيرك، وتعلمت منه. وحفظت بالدرس أخبار من مضى. كقولهم:فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الفرقان: 5].

يقال: درس الكتاب يدرسه دراسة، إذا أكثر قراءته وذَلّلَهُ للحفظ. قال ابن عباس: { وَلِيَقُولُواْ } يعني: أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن (درست) يعني: تعلمت من يسار وخير، وكانا عبدين من سبي الروم، ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله! وقال الفرّاء: معناه: تعلمت من اليهود كذا في (اللباب):

وقُرئ: (دَارَسْتَ) بالألف وفتح التاء. أي: دارست غيرك ممن يعلم الأخبار الماضية. كقولهم:إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ... } [النحل: 103] الآية.

ويقرأ " دَرَسَتْ " بفتح الدال والراء والسين وسكون التاء. أي: مضت وقدمت وتكررت على الأسماع، كما قالوا:أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [الأنعام: 25]. وهذه القراآت الثلاث متواترة. وقرئ في الشواذ (دُرِسَتْ) ماضياً مجهولاً. أي: تليت وعفيت تلك الآيات. وقُرئ: (دَرَّسْتَ) مشدداً معلوماً. وتشديده للتكثير أو للتعدية. أي: درّست غيرك الكتب. وقرئ مشدداً مجهولاً. وقرئ (دورست) بالواو مجهول دارس. ودارست بالتأنيث، والضمير للآيات أو للجماعة: وقرئ (درُست) بضم الراء، والإسناد للآيات مبالغة في محوه أو تلاوته، لأن (فعل) المضموم للطبائع والغرائز. وقرأ أبيّ رضي الله عنه (درس) وفاعله ضمير النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو الكتاب، إن بمعنى انمحى. و (درسن) بنون الإناث مخففاً ومشدداً. وقُرئ (دارسات) بمعنى: قديمات، أو بمعنى: ذات درس أو دروس، كـعِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة: 21]، وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف. أي: هي دارسات.

{ وَلِنُبَيِّنَهُ } أي: القرآن، وإن لم يجر له ذكر، لكونه معلوماً. أو الآيات، لأنها في معنى القرآن.

{ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي: الحق فيتبعونه، والباطل فيجتنبونه.

تنبيهان

الأول: قيل: اللام الثانية حقيقة، والأولى لام العاقبة والصيرورة. أي: لتصير عاقبة أمرهم، إلى أن يقولوا: درست، كهي في قوله تعالى:فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8] وهم لم يلتقطوه للعداوة، وإنما التقطوه ليصير لهم قرة عين، ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة. فكذلك الآيات صرّفت للتبيين، ولم تصرّف ليقولوا: درست. ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات، كما حصل التبيين، فشبه به.

قال الخفاجيّ: وجَوَّزَ أن يكون على الحقيقة أبو البقاء وغيره؛ لأن نزول الآيات لإضلال الأشقياء، وهداية السعداء. قال تعالى:يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } [البقرة: 26] وقال الرازيّ: حمل اللام على العاقبة بعيد؛ لأنه مجاز. وحمله على لام الغرض حقيقة، والحقيقة أقوى من المجاز. وإن المراد منه عين المذكور في قوله تعالى:يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } [البقرة: 26]. قال ومما يؤكد هذا التأويل قوله: { وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ، يعني: إنا ما بيناه إلا لهؤلاء.

السابقالتالي
2