الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَاتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كلٌّ منهما يحطّ الذنوب ويمحصها ويمحقها، وإخبار بأن كل من تاب إليه، تاب عليه، ومن تصدق، تقبل منه.

تنبيهات

الأول: الضمير في: { يَعْلَمُوۤاْ } للمتوب عليهم، فيكون ذكر قبول توبتهم، مع أنه تقدم ما يشير إليه، تحقيقاً لما سبق من قبول توبتهم، وتطهير الصدقة وتزكيتها لهم، وتقريراً لذلك، وتوطيناً لقلوبهم ببيان أن المتولي لقبول توبتهم، وأخذ صدقاتهم هو الله سبحانه، وإن أسند الأخذ والتطهير والتزكية إليه، صلى الله عليه وسلم.

قال أبو مسلم: المقصود من الإستفهام التقرير في النفس، ومن عادة العرب، في إيهام المخاطب وإزالة الشك عنه، أن يقولوا: أما علمت أن من علمك يجب عليك خدمته؟ أما علمت أن من أحسن إليك يجب عليك شكره؟ فبشّر تعالى هؤلاء التائبين بقبول توبتهم وصدقاتهم - انتهى.

وجوز عود الضمير لغيرهم من المنافقين. فالاستفهام توبيخ وتقريع لهم على عدم التوبة وترغيب فيها، وإزالة لما يظنون من عدم قبولها، وقرئ بالتاء وهو، على الأول، التفات، وعلى الثاني، بتقدير (قل)، ويجوز أن يكون الضمير للمنافقين والتائبين معاً، للتمكن والتخصيص.

الثاني: الضمير أعني { هُوَ } إما للتأكيد، أوْ لَهُ مع التخصص، بمعنى أن الله يقبل التوبة لا غيره، بمعنى أنه يفعل ذلك البتة؛ لأن ضمير الفصل يفيد ذلك، والخبر المضارع من مواقعه. وقيل: معنى التخصيص في { هُوَ } أن ذلك ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما الله سبحانه هو الذي يقبل التوبة ويردها، فاقصدوه بها، ووجهوها إليه؛ لأن كثرة رجوعهم إليه، صلوات الله عليه، مظنة لتوهم ذلك.

الثالث: تعدية القبول بـ (عن)، لتضمنه معنى التجاوز، والعفو عن ذنوبهم التي تابوا عنها، وقيل: (عن) هنا بمعنى (من)، كما يقال: أخذت هذا منك وعنك.

الرابع: الأخذ هنا استعارة للقبول والإثابة؛ لأن الكريم والكبير إذا قبل شيئاً عوّض عنه، وقد يجعل الإسناد إلى الله مجازاً مرسلاً. وقيل: في نسبة الأخذ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: { خُذْ } ثم إلى ذاته تعالى - إشارة إلى أن أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم، قائم مقام أخذ الله، تعظيماً لشأن نبيه، كقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح: 10].

الخامس: جملة { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } تأكيد لما عطف عليه، وزيادة تقرير لما يقرره، مع زيادة معنى ليس فيه، كما أفادته صيغة المبالغة التي تفيد تكرر ذلك منه أي: ألم يعلموا أنه المختص بقبول التوبة، وأن ذلك سنة مستمرة له، وشأن دائم؟

لطيفة

نقل ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر عن حوشب قال: غزا الناس في زمن معاوية، وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فغلَّ رجل من المسلمين مائة دينار رومية، فلما قفل الجيش ندم، وأتى الأميرَ، فأبى أن يقبلها منه، وقال: قد تفرق الناس، ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة، فجعل الرجل يأتي الصحابة، فيقولون له مثل ذلك.

السابقالتالي
2