الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً }

{ قَالَ } موسى عليه السلام رداً لقوله المذكور { لَقَدْ عَلِمْتَ } يا فرعون { مَا أَنزَلَ هَٰؤُلاء } أي الآيات التسع أو بعضها والإشارة إلى ذلك بما ذكر على حد قوله على إحدى الروايتين:
والعيش بعد أولئك الأيام   
وقد مر { إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي خالقهما ومدبرهما، وحاصل الرد أن علمك بأن هاتيك الآيات من الله تعالى إذ لا يقدر عليها سواه تعالى يقتضي أني لست بمسحور ولا ساحر وأن كلامي غير مختل لكن حب الرياسة حملك على العناد في التعرض لعنوان الربوبية إيماء إلى أن إنزالها من آثار ذلك. وفي «البحر» ((ما أحسن إسناد إنزالها إلى رب السمٰوات والأرض إذ هو عليه السلام لما سأله فرعون في أول محاورته فقال له:وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الشعراء: 23-24] تنبيهاً على نقصه وأنه لا تصرف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى مستحيل فبكته وأعلمه أنه يعلم آيات الله تعالى ومن أنزلها ولكنه مكابر معاند كقوله تعالى:وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14] وخاطبه بذلك على سبيل التوبيخ أي أنت بحال من يعلم هذه أو هي من الوضوح بحيث تعلمها وليس خطابه على جهة إخباره عن علمه)) أو العلم بعلمه ليكون إفادة لازم الخبر كقولك لمن حفظ التوراة حفظت التوراة.

وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما والكسائي { لَقَدْ عَلِمْتَ } بضم التاء فيكون موسى عليه السلام قد أخبر عن نفسه أنه ليس بمسحور كما زعم عدو الله تعالى وعدوه بل هو يعلم أن ما أنزل تلك الآيات إلا خالق السمٰوات والأرض ومدبرهما. وروي عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال: والله ما علم عدو الله تعالى ولكن موسى عليه السلام هو الذي علم. وتعقبه أبو حيان بأنه لا يصح لأنه رواه كلثوم المرادي وهو مجهول وكيف يقول ذلك باب مدينة العلم كرم الله تعالى وجهه، ووجه نسبة العلم إليه ظاهر. وقد ذكر الجلال السيوطي في «الدر المنثور» أن سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبـي حاتم أخرجوا عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقرأ بالضم ويقول ذلك ولم يتعقبه بشيء، ولعل هذا المجهول الذي ذكره أبو حيان في أسانيدهم والله تعالى أعلم. وجملة { ما أَنزَلَ } الخ معلق عنها سادة مسد { عَلِمْتَ }.

وقوله تعالى: { بَصَائِرَ } حال من { هَٰؤُلاء } والعامل فيه { أَنزَلَ } المذكور عند الحوفي وأبـي البقاء وابن عطية وما قبل إلا يعمل فيما بعدها إذا كان مستثنى منه أو تابعاً له وقد نص الأخفش والكسائي على جواز ما ضرب هنداً إلا زيد ضاحكة ومذهب الجمهور عدم الجواز فإن ورد ما ظاهره ذلك أول عندهم على إضمار فعل يدل عليه ما قبل؛ والتقدير هنا أنزلها بصائر أي بينات مكشوفات تبصرك صدقي، على أنه جمع بصيرة بمعنى مبصرة أي بينة وتطلق البصائر على الحجج بجعلها كأنها بصائر العقول أي ما أنزلها إلا حججاً وأدلة على صدقي وتكون بمعنى العبرة كما ذكره الراغب.

السابقالتالي
2