الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } أي: أقروا بها، وهي تخلفهم عن الغزو، وإيثار الدعة عليها، والرضا بسوء جوار المنافقين، أي: لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة، كغيرهم { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً } كالندم وما سبق من طاعتهم { وَآخَرَ سَيِّئاً } كالتخلف عن الجهاد { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } أي: يقبل توبتهم { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يتجاوز عن التائب ويتفضل عليه.

تنبيهات

الأول: أخرج ابن مردويه وابن أبي حاتم من طريق العوفيّ عن ابن عباس قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتخلف أبو لبابة وخمسة معه، ثم إن أبا لبابة ورجلين معه تفكروا وندموا وأيقنوا بالهلاك، وقالوا: نحن في الظلال والطمأنينة مع النساء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه في الجهاد! والله! لنوثقن أنفسنا بالسواري، فلا نطلقها حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي يطلقها، ففعلوا، وبقي ثلاثة نفر لم يوثقوا أنفسهم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته فقال: " من هؤلاء الموثقون بالسواري؟ " فقال رجل: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا، فعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم. فقال: " لا أطلقهم، حتى أُومر بإطلاقهم " ، فأنزل الله: { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } ، فلما نزلت أطلقهم وعذرهم، وبقي الثلاثة الذين لم يوثقوا أنفسهم، لم يذكروا بشيء، وهم الذين قال الله فيهم:وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ... } [التوبة: 106] الآية - فجعل أناس يقولون: هلكوا، إذ لم ينزل عذرهم، وآخرون يقولون: عسى الله أن يتوب عليهم، حتى نزلت:وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ... } [التوبة: 118].

وأخرج ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طحلة عن ابن عباس نحوه، وزاد: فجاء أبو لبابة وأصحابه بأموالهم حين أطلقوا، فقالوا: يا رسول الله، هذه أموالنا، فتصدق بها عنا، واستغفر لنا فقال: " ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً " ، فأنزل الله:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً... } [التوبة: 103] الآية.

وأخرج هذا القدر وحده عن سعيد بن جبير والضحاك وزيد بن أسلم وغيرهم.

وأخرج عبد عن قتادة أنها نزلت في سبعة: أربعة منهم ربطوا أنفسهم بالسواري، وهم: أبو لبابة ومرداس وأوس بن خذام وثعلبة بن وديعة.

وأخرج أبو الشيخ وابن منده في (الصحابة) من طريق الثوريّ عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: " كان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك ستة: أبو لبابة وأوس بن خذام وثعلبة بن وديعة وكعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية. فجاء أبو لبابة وأوس وثعلبة، فربطوا أنفسهم بالسواري، وجاؤوا بأموالهم، فقالوا: يا رسول الله، خذ هذا الذي حبسنا عنك، فقال: " لا أحلهم حتى يكون قتال " ، فنزل القرآن: { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ... } "

السابقالتالي
2 3