الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }؛ أي قالَ موسى لفرعونَ: لقد عَلِمتَ يا فرعون أنَّ هذه الآيات لا تدخلُ في مقدور العبادِ، فلَمْ يُنْزِلها إلا ربُّ السماوات والأرضِ، { بَصَآئِرَ }؛ أي حُجَجاً للناسِ يُبصَرُونَ بها في أمرِ دينهم، { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً }؛ وإني لأعلَمُ يا فرعون إنَّكَ هالكٌ، يقال: ثَبَرَ الرجلُ فهو مَثْبُورٌ؛ أي هالكٌ، والظنَّ قد يُذكَرُ بمعنى اليقينِ على ما تقدَّمَ.

وقرأ الكسائيُّ (لَقَدْ عَلِمْتُ) بضمِّ التاء، وهي قراءةُ عليٍّ (كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ) وقالَ: (وَاللهَ مَا عَلِمَ عَدُوُّ اللهِ، وِلَكِنْ مُوسَى هُوَ الَّذِي عَلِمَ) فبلغَ ذلك ابنَ عبَّاس فقالَ: (إنَّهُ { لَقَدْ عَلِمْتَ } تَصْدِيقاً لِقَوْلُهُ تَعَالَى:وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14]). وقراءةُ النصب أصحُّ وأشهر، وليست قراءةُ الضمِّ مشهورةً عن عليٍّ رضي الله عنه ولا ثابتة، وإنما روَاها عنه رجلٌ مجهول لا يُعْرَفُ، ولا تَمسَّكَ بها أحدٌ من القرَّاء غيرَ الكسائيِّ.

وقولهُ تعالى: { مَثْبُوراً } قال ابنُ عبَّاس: (مَغْلُوباً)، وقال مجاهدُ: (هَالِكاً)، وَقِيْلَ: مُخَبَّلاً لا عقلَ لكَ، وَقِيْلَ: بَعِيداً من الخيراتِ، وَقِيْلَ: سِلاَخاً في القطيفةِ، قال مجاهدُ: (دَخَلَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَرَأى فِرْعَوْنُ ثُعْبَاناً فَفَزِعَ وَأحْدَثَ فِي الْقَطِيفَةِ).

وروَى أبو سعيدٍ الجوهريُّ قال: (كُنْتُ قَائِماً عَلَى رَأسِ الْمَأْمُونِ وَهُوَ يُنَاظِرُ رَجُلاً وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَثْبُورُ، ثُمَّ أقْبَلَ إلَيَّ فَقَالَ: مَا مَعْنَى (مَثْبُوراً)؟ قُلْتُ: لاَ أدْرِي، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الرَّشِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَهْدِي قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَنْصُور، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِرَجُلٍ: يَا مَثْبُورُ، فَقُلْتُ: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا مَعْنَى يَا مَثْبُورُ؟ قَالَ مَيْمُونُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (يَا فِرْعَوْنَ مَثْبُوراً) مَا مَثْبُوراً؟ قَالَ: نَاقِصُ الْعَقْلِ).