الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

{ إنَّ الَّذين يُبايعُونَك } يوم الحديبية على الموت، عند سلمة ابن الأكوع وعلى، أن لا يفروا عند ابن عمر وجابر، وفى البخارى ومسلم عن زيد بن عبيد، قلت لسلمة بن الأكوع: على أى شىء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: على الموت، وفى مسلم، عن معقل بن يسار: لقد رأيتنى يوم الشجرة والنبى صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه صلى الله عليه وسلم، ونحن اربع عشر مائة، ولم نبايعه على الموت، بل على أن لا نفر، ويجمع بين الحديثين بأن جماعة بايعته على الموت يقاتلون حتى يموتوا أو ينصروا، أو يكون امر من الله عز وجل، منهم: سلمة وجماعة على أن لا يفروا، منهم: معقل، والمضارع للحال الماضية المحكية.

وقيل: نزلت قبل الحديبية، فالمضارع للإستقبال كذا قيل، وليس كذلك، بل لحكاية الحال الماضية لأن الآية بعد المبايعة، والمبايعة الانقياد للطاعة، وفى ذلك تلويح الى قوله تعالى:إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } [التوبة: 111] الخ اذا بايعوه على الموت، وهذا فى قول ابن الأكوع، وبيعته الحديبية هذه بيعة الرضوان، والياء مشددة عند عامة المحدثين، وتخفيفها أفصح، وهى قرية ليست كبيرة، بينها وبين مكة مرحلة أو أقل، سميت ببئر هنالك، وجاء فى الحديث: " أن الحديبية بئر " ويقال شجرة حدباء، ولعلها حدبت عليه صلى الله عليه وسلم وقيل: كانت حدباء قبل نزوله.

{ إنَّما يُبايعُون الله } يُطيعون الله، وسمى اطاعته مبايعة لمشاكلة قوله تعالى: { يبايعونك } أو سماها مبايعة تسمية للمسبب أو اللازم بلفظ السبب أو الملزوم، فان المبالغة تستلزم الطاعة وتتسبب لها، وانما كانت مبايعته صلى الله عليه وسلم مبايعة لله تعالى، لأن المقصود من مبايعته امتثال أوامره { يَد الله فوق أيديهم } منة الله تعالى بالهداية فوق نعمهم التى هى مبايعة كل واحد منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه الذى وفقهم للمبايعة، قال الله تعالى:يمنون عليك أنْ أسلموا قل لا تَمنُّوا عليَّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أنْ هداكم للإيمان } [الحجرات: 17] وقال الزجاج: يد الله فى الوفاء فوق أيديهم فيه، أو يد الله فى الثواب فوق أيديهم فى الطاعة، كما قال الزجاج، أو قوته تعالى ونصرته فوق قوتهم فيها، فثق بنصره تعالى لا بنصرتهم، ولو بايعوك، وذكر ذلك بيد الله مشاكلة لقوله: { أيديهم } أو أيديهم على شاهدها.

ويد الله نعمته أو ما مرّ، وعلى كل حال من يطع الرسول فقد اطاع الله، كما قال الله عز وجل، وقيل: وفى اليد استعارة تخييلية مبنية على استعارة مكنية، هى أنه شبه الله تعالى بانسان مبايع، ورمز لذلك بلازم الانسان، وهو اليد، قلت: يقبح أن يقال: شبه الله بكذا، ولو كان المعنى على غير التشبيه، والا فقل شبه فعله تعالى وهو نصره، لأن فعله تعالى مخلوق له تعالى بالانسان، ورمز باليد.

السابقالتالي
2 3