الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

فسرت التجارة بقوله تعالى:تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الصف: 11].

التجارة: هي التصرف في رأس المال طلباً للربح كما قال تعالى:

إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ } [البقرة: 282].

وقال تعالى:وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } [التوبة: 24].

والتجارة هنا فسرت بالإيمان بالله ورسوله، وبذل المال والنفس في سبيل الله، فما هي المعارضة الموجودة في تلك التجارة الهامة، بينها تعالى في قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 111]، فهنا مبايعة، وهنا بشرى وهنا فوز عظيم.

وكذلك في هذه الآية:يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب } [الصف: 12-13].

وقد دل القرآن على أنه من فاتته هذه الصفقة الرابحة فهو لا محالة خاسر، كما في قوله تعالى:أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرُواْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } [البقرة: 16].

حقيقة هذه التجارة أن رأس مال الإنسان حياته ومنتهاه مماته.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: " كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " والعرب تعرف هذا البيع في المبادلة كما قول الشاعر:
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم   إن شربت الحلم بعدك بالجهل
وقول الآخر:
بدلت بالجمة رأساً أزعرا   وبالثنايا الواضحات الدردرا
كما اشبرى المسلم إذ تنصرا   
فأطلق الشراء على الاستبدال.

تنبيه

في هذه الآية الكريمة تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في قوله تعالى:وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } [الصف: 11].

وفي آية إن الله اشترى من المؤمنين، قدم النفس عن المال فقالٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم } [التوبة: 111]، وفي ذلك سر لطيف.

أما في آية الصف، فإن المقام مقام تفسير وبيان لمعنى التجارة الرابحة بالجهاد في سبيل الله.

وحقيقة الجهاد بذل الجهد والطاقة، والمال هو عصب الحرب وهو مدد الجيش. وهو أهم من الجهاد بالسلاح، فبالمال يشترى السلاح، وقد تستأجر الرجال كما في الجيوش الحديثة من الفرق الأجنبية، وبالمال يجهز الجيش، ولذا لما جاء الإذن بالجهاد أعذر الله المرضى والضعفاء، وأعذر معهم الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم، وأعذر معهم الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لم يوجد عنده ما يجهزهم به كما في قوله تعالى:لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } [التوبة: 91] إلى قوله:وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }

السابقالتالي
2