الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ }

وقوله تعالى: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ } على ما اختاره غير واحد عطف علىخَلَقَ ٱلأَرْضَ } [فصلت: 9] داخل في حكم الصلة، ولا ضير في الفصل بينهما بالجملتين المذكورتين لأن الأولى متحدة بقوله تعالى: { تَكْفُرُونِ } بمنزلة إعادتها والثانية معترضة مؤكدة لمضمون الكلام فالفصل بهما كلا فصل، وفيه بلاغة من حيث المعنى لدلالته على أن المعطوف عليه أي { خَلَقَ ٱلأَرْضَ } كاف في كونه تعالى رب العالمين وأن لا يجعل له ند فكيف إذا انضمت إليه هذه المعطوفات.

وتعقب بأن الاتحاد لا يخرجه عن كونه فاصلاً مشوشاً للذهن مورثاً للتعقيد فالحق والأقرب أن تجعل الواو اعتراضية وكل من الجملتين معترض ليندفع بالاعتراض الاعتراض أو يجعل ابتداء كلام بناء على أنه يصدر بالواو أو يقال: هو معطوف على مقدر كخلق، واختار هذا الأخير صاحب «الكشف» فقال: أوجه ما ذكر فيه أنه عطف على مقدر بعدرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [فصلت: 9] أي خلقها وجعل فيها رواسي فكأنه ساق قوله تعالى: { خَلَقَ ٱلاْرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } أولاً رداً عليهم في كفرهم ثم ذكره ثانياً تتميماً للقصة وتأكيداً للإنكار، وليس سبيل قوله سبحانه: { ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } سبيل الاعتراض حتى تجعل الجملة عطفاً على الصلة ويعتذر عن تخلل { تَجْعَلُونَ } عطفاً على { تَكْفُرُونِ } باتحاده بما قبله على أسلوبوَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة:217] وذلك لأنه مقصود لذاته في هذا المساق وهو ركن للإنكار مثل قوله تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضِ } وأكد على ما لا يخفى على ذي بصيرة. والرواسي الجبال من رسا إذا ثبت، والمراد بجعلها إبداعها بالفعل، وفي «الإرشاد» المراد تقدير الجعل لا الجعل بالفعل.

وقوله تعالى: { مّن فَوْقِهَا } متعلق بجعل أو بمحذوف صفة لرواسي أي كائنة من فوقها والضمير للأرض وفي ذلك استخدام على ما قيل في المراد منها لأن الجبال فوق الأرض المعروفة لا فوق جميع الأجسام السفلية والبسائط العنصرية، وفائدة { مّن فَوْقِهَا } الإشارة إلى أنها جعلت مرتفعة عليها لا تحتها كالأساطين ولا مغروزة فيها كالمسامير لتكون منافعها معرضة لأهلها ويظهر للنظار ما فيها من مراصد الاعتبار ومطارح الأفكار. ولعمري إن في ارتفاعها من الحكم التكوينية ما تدهش منه العقول، والآية لا تأبـى أن يكون في المغمور من الأرض في الماء جبالاً كما لا يخفى والله تعالى أعلم.

{ وَبَـٰرَكَ فِيهَا } أي كثر خيرها، وفي «الإرشاد» قدر سبحانه أن يكثر خيرها بأن يكثر فيها أنواع النباتات وأنواع الحيوانات التي من جملتها الإنسان { وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوٰتَهَا } أي بين كميتها وأقدارها، وقال في «الإرشاد»: أي حكم بالفعل بأن يوجد فيما سيأتي لأهلها من الأنواع المختلفة أقواتها المناسبة لها على مقدار معين تقتضيه الحكمة.

السابقالتالي
2 3