الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } وقال ابن عباس: صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركي مكة يوم الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة ردّه عليهم، ومن أتى أهلَ مكة من أصحابه لم يردوه، وكتبوا بذلك كتاباً [وختموا] عليه. فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية، فأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم -وقال [المقاتلان]: هو صيفي بن الراهب- في طلبها، وكان كافراً، فقال: يا محمد! اردد عليّ امرأتي، فإنك قد [شرطت] لنا أن تردّ علينا من أتاكم منا، وهذه طينة الكتاب لم تجفّ بعد، فأنزل الله هذه الآية.

وذكر جماعة؛ منهم محمد بن سعد -كاتب الواقدي-: أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أولُ من هاجر من النساء إلى المدينة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت المدينة في هدنة الحديبية، فخرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة فقالا: يا محمد! أوف لنا بشرطنا، وقالت أم كلثوم: يا رسول الله! أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف [ما] قد علمت، فإن رددتني إلى الكفار فتنوني عن ديني ولا صبر لي، فنقض الله العهد في النساء، وأنزل فيهن المحنة.

فصل

قال الماوردي: اختلف أهل العلم هل دخل ردّ النساء في عقد الهدنة لفظاً أو عموماً؟ فقالت طائفة منهم: قد كان شرط رَدِّهِنَّ في عقد الهدنة لفظاً صريحاً، فنسخ الله رَدَّهُنَّ [من العقد] ومنع منه، وبقّاه في الرجال على ما كان.

وقالت طائفة من أهل العلم: [لم يشترط ردّهنّ في العقد لفظاً، وإنما] أطلق العقد [في ردّ] من أسلم، فكان ظاهرُ العموم اشتمالَه عليهن مع الرجال، فبيّن الله تعالى خروجهن عن عمومه، وفرّق بينهن وبين الرجال لأمرين:

أحدهما: أنهنَّ ذوات فروج يحرمن عليهم.

والثاني: أنهنَّ أرقّ قلوباً وأسرع تقلباً منهم.

فأما المقيمة على شركها فمردودةٌ عليهم.

قال القاضي أبو يعلى رحمه الله: إنما لم يردّ النساء عليهم؛ لأن النسخ جائز بعد التمكّن من الفعل وإن لم يقع الفعل.

قال ابن زيد: وإنما أُمر بامتحانهن؛ لأن المرأة كانت بمكة إذا غضبت على زوجها تقول: لألحقنّ بمحمد.

واختلفوا فيما كان يمتحنهنّ به، فأخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي وأبو الحسن الصوفي، قالا: أخبرنا عبدالأول، أخبرنا عبدالرحمن، أخبرنا عبدالله، أخبرنا محمد، حدثنا البخاري، حدثنا إسحاق، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه قال: أخبرني عروة، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ } إلى قوله: { غَفُورٌ رَّحِيمٌ }. قال عروة: قالت عائشة: فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بايعتك [كلاماً]، ولا والله! ما مسّت يدُه يدَ امرأة قط في المبايعة، ما يُبايعهن إلا بقوله: قد بايعتُك على ذلك "

السابقالتالي
2 3 4