الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

قرأ حمزة، وعاصمٌ، وأبو عمرو بكسر الدَّال على أصل الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، والباقون بالضم على الإتباع، ولم يبالِ بالساكن؛ لأنه حَاجِزٌ غير حصين وقد تَقَرَّرَتْ هذه القاعدة بدلائلها في سورة " البقرة " عند قوله تعالى:فَمَنِ ٱضْطُرَّ } [الآية:173] و " برسلٍ " متعلّق بـ " استهزئ " و " مِنْ قبلك " صفة لـ " رسل " ، وتأويلهُ ما تقدَّم في وقوع " من قبل " صلة.

والمرادُ من الآية: التَّسْلية لِقَلْبِ الرسول صلى الله عليه وسلم أي: أن هذه الأنواع الكثيرة التي يعاملونك بها كانت موجودة في سائر القرون.

قوله: " فحاق بالذين سخِروا " ، فاعل " حاق ": " ما كانوا " ، و " ما " يجوز أن تكون موصُولةً اسميةً، والعائد " الهاء " في " به " و " به " يتعلَّق بـ " يستهزئون " ، و " يستهزئون " خبر لـ " كان " ، و " منهم " متعلّق بـ " سخروا " على أنَّ الضمير يعود على الرُّسل، قال تبارك وتعالى:إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } [هود:38].

ويجوز أن يتعدَّى بالباء نحو: سَخِرْت به، ويجوز أن يتعلّق " منهم " بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من فاعل " سَخِروا " والضمير في " منهم " يعود على الساخرين.

وقال أبو البقاء: " على المستهزئين ".

وقال: الحوفي: " على أمَمِ الرسل ".

وقد رَدَّ أبو حيَّان على الحوفي بأنه يَلْزَمُ إعادته على غير مذكور.

وجوابُهُ في قوة المذكور، وردَّ على أبي البقاء بأنه يصير المعنى: فحاق بالذين سَخِرُوا كائنين من المستهزئين، فلا حَاجَة إلى هذه الحال؛ لأنها مفهومةٌ من قوله: " سخروا " وجوَّزوا أن تكون " ما " مصدريَّةً، ذكره أبو حيَّانَ ولم يتعرض للضمير في " به ".

والذي يظهر أنه يعود على الرسول الذي يَتَضَمَّنُهُ الجَمْعُ، فكأنه قيل: فَحَاقَ بهم عَاقِبَةُ استهزائهم بالرسول المُنْدَرجِ في جملة الرُّسُلِ، وأمَّا على رأى الأخْفَشِ، وابن السراج فتعود على " ما " المصدريّة؛ لأنها اسم عندهما.

و " حاق " ألفه مُنْقَلِبَةٌ عن " ياء " بدليل " يَحِيق " ، كـ " باع " " يبيع " ، والمصدر حَيْق وحُيُوق وحَيَقان كالغَلَيان والنَّزَوان.

وزعم بعضهم أنه من " الحَوْق " ، والمستدير بالشيء، وبعضهم أنه من " الحقّ " ، فأبدلت إحدى القافين ياءً كَتَظَنَّنتُ، وهذان لَيْسَا بشيء.

أمَّا الأول فلاختلاف المَادَّةِ، إلاَّ أن يريدوا الاشتقاق الأكبر.

وأما الثاني: فلأنها دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ من غير دليلٍ، ومعنى " حاق " أحاط.

وقيل: عاد عليه وبَالُ مَكْرهِ، قاله الفراء.

السابقالتالي
2