الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ }

قوله تعالى: { مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ }: يجوزُ في " لكم " أن يتعلَّقَ بـ " أنْزَلَ " ، ويجوزُ أن يكونَ صفةً لـ " ماءً " ، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ، فعلى الأولِ يكون " شرابٌ " مبتدأً و " منه " خبرُه مقدَّمٌ عليه، والجملةُ أيضاً صفةٌ لـ " ماءً " وعلى الثاني يكون " شرابٌ " فاعلاً بالظرف، و " منه " حالٌ من " شراب ". و " مِنْ " الأولى للتبعيض، وكذا الثانيةُ عند بعضِهم، لكنه مجاز لأنه لمَّا كان سَقْيُه بالماء جُعِل كأنه من الماء كقوله:
2946- أسنِمَة الآبالِ في رَبابَهْ   
أي: في سَحابة، يعني به المطرَ الذي يَنْبُتُ به الكلأُ الذي تأكلُه الإِبِلُ فَتَسْمَنُ اَسْنِمَتُها.

وقال أبو بكر بن الأنباري: " هو على حذف مضاف إمَّا من الأول، يعني قبل الضمير، أي: مِنْ سَقْيِه وجِهتِه شجرٌ، وإمَّا من الثاني، يعني قبل شجر، أي: شُرْب شجر أو حياة شجر ". وجعل أبو البقاء الأولى للتبعيض والثانية للسبيية، أي: بسببه، ودَلَّ عليه قولُه: { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ }.

والشَّجَرُ هنا: كلُّ نباتٍ من الأرض حتى الكَلأُ، وفي الحديث: " لا تأكُلوا الشجرَ فإنه سُحْتٌ " يعني الكلأ، ينهى عن تحجُّر المباحاتِ المحتاجِ إليها بشدة. وقال:
2965- نُطْعِمُها اللحمَ إذا عَزَّ الشجَرْ   
وهو مجازٌ؛ لأنَّ الشجرَ ما كان له ساقٌ.

قوله: { فِيهِ تُسِيمُونَ } هذه صفةٌ أخرى لـ " ماءً ". والعامَّة على " تُسِيمون " بضمِّ الياء مِنْ أسام، أي: أَرْسَلَها لِتَرْعى، وزيد بن علي بفتحِها، فيحتمل أن يكونَ متعدياً، ويكون فَعَل وأَفْعَل بمعنى، ويحتمل أن يكون لازماً على حذفِ مضافٍ، أي: تَسِيْمُ مواشِيَكُمْ.