الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

اتفق المفسرون وثبت في «صحيح الأحاديث» أن هذه الآية نزلت في قضية الكتاب الذي كتب به حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العُزّى من قريش. وكان حاطب من المهاجرين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل بدر. وحاصل القصة مأخوذة مما في «صحيح الآثار» ومشهور السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد تجهّز قاصداً مكة. قيل لأجل العمرة عام الحديبية، وهو الأصح، وقيل لأجل فتح مكة وهو لا يستقيم، فقدمتْ أيامئذٍ من مكة إلى المدينة امرأة تسمّى سارة مولاةٌ لأبي عَمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف وكانت على دين الشرك فقَالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنتم الأهل والموالي والأصل والعشيرة وقد ذهب الموالي تعني من قُتل من مواليها يوم بدر. وقد اشتدت بي الحاجة فقدمتُ عليكم لتعطوني وتكسوني فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها، فكسوها وأعطوها وحملوها، وجاءها حاطب ابن أبي بلتعة فأعطاها كتاباً لتبلغه إلى من كتب إليهم من أهل مكة يخبرهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج إليهم، وآجرها على إبلاغه فخرجت، وأوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك، فبعث عليّاً والزبير والمقدادَ وأبا مرثد الغَنوي، وكانوا فرساناً. وقال انطلقوا حتى تأتوا رَوضة خَاخٍ، فإنّ بها ظعينة ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلّوا سبيلها. فخرجوا تتعادى بهم خيلهم حتى بلغوا روضة خاخ فإذا هم بالمرأة. فقالوا أخرجي الكتاب، فقالت ما معي كتاب، فقالوا لتخرجنَّ الكتاب أو لَنُلْقِيّنَ الثّياب يعنون أنهم يجردونها فأخرجته من عقاصها، وفي رواية من حُجْزتها. فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا حاطب ما هذا؟ قال لا تعجل عليَّ يا رسول الله. فإني كنت امرأ ملصقاً في قريش وكان لمن كان معك من المهاجرين قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمُون بها قرابتي يريد أمه وإخوته، ولم أفعله كُفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضىً بالكفر بعد الإِسلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم صَدقَ. فقال عمر دعني يا رسول الله أضربْ عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدراً وما يُدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقال لا تقولوا لحاطب إلاّ خيراً فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } الآيات. والظاهر أن المرأة جاءت متجسسة إذ ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمِّن يوم الفتح أربعةً منهم هذه المرأة لكن هذا يعارضه ما جاء في رواية القصة من قول النبي صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3 4 5