الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

قوله تعالى { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } الآية. قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً ويكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول. فإنا نبين ذلك. فإذا علمت ذلك. فاعلم أن هذا الإسراء به صلى الله عليه وسلم المذكور في هذه الآية الكريمة، زعم بعض أهل العلم أنه بروحه صلى الله عليه وسلم دون جسده، زاعماً أنه في المنام لا اليقظة، لأن رؤيا الأنبياء وحي. وزعم بعضهم أن الإسراء بالجسدِ، والمعراج بالروح دون الجسد، ولكن ظاهر القرآن يدل على أنه بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظةً لا مناماً، لأنه قال { بعبده } والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، ولأنه قال { سبحان } والتَّسبيح إنما يكون عند الأمور العظام. فلو كان مناماً لم يكن له كبير شأن حتى يتعجب منه. ويؤيده قوله تعالىمَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } النجم 17 لأن البصر من آلات الذات لا الروح، وقوله هنا { لنريه من آياتنا }. ومن أوضح الأدلة القرآنية على ذلك قوله جل وعلاوَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } الإسراء 60 فإنها رؤيا عين يقظة، لا رؤيا منام، كما صحَّ عن ابن عباس وغيره. ومن الأدلة الواضحة على ذلك - أنها لو كانت رؤيا منام لما كانت فتنة، ولا سبباً لتكذيب قريش، لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار، لأن المنام قد يرى فيه ما لا يصح. فالذي جعله الله فتنة هو ما رآه بعينه من الغرائب والعجائب. فزعم المشركون أن من ادعى رؤية ذلك بعينه فهو كاذب لا محالة، فصار فتنة لهم. وكون الشجرة الملعونة التي هي شجرة الزقوم على التحقيق فتنة لهم - " أن الله لما أنزل قولهإِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } الصافات 64 قالوا ظهر كذبه. لأن الشجر لا ينبت بالأرض اليابسة، فكيف ينبت في أصل النار‍‍! " كما تقدم في البقرة. ويؤيد ما ذكرنا من كونها رؤيا عين يقظة قوله تعالى هنا { لنريه من آياتنا } الآية، وقولهمَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } النجم 17-18. وما زعمه بعض أهل العلم من أن الرؤيا لا تطلق بهذا اللفظ لغة إلى على رؤيا المنام، مردود. بل التحقيق أن لفظ الرؤيا يطلق في لغة العرب على رؤية العين يقظة أيضاً. ومنه قول الراعي وهو عربي قح
فكبر للرؤيا وهش فؤاده وبشَّر نفساً كان قبل يلومها   
فإنه يعني رؤية صائد بعينه. ومنه أيضاً قول أبي الطيب
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض   

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7