الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

- قوله تعالى: { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ... } إلى قوله: { بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً... }.

هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ويراد به أمته [ودل] على ذلك قوله - بعد ذلك: { إِذَا طَلَّقْتُمُ }.

وقيل: إن هذا من الانتقال من المخاطبة، كما قال:حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ } [يونس: 22] ثم قال:وَجَرَيْنَ بِهِم } [يونس: 22].

وقيل: التقدير: يا أيها النبي قل لهم: إذا طلقتم.

وقيل: إنه كله مخاطبة للنبي، لكن خوطب بلفظ الجمع على التعظيم والإجلال، كما يقال للرجل الجليل: أنتم فعلتم.

والمعنى: إذا طلقتم نساءكم المدخول بهن، أي: إذا أردتم طلاقهن { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي: لطهرهن [الذي يحصينه من عدتهن ويعتددن به طاهرات من غير جماع كان منكم في ذلك الطهر، ولا تطلقوهن لحيضهن] الذي لا يعتددن به من أقرائهن. ( " فاللام " بمعنى) " في ": أي: [فطلقوهن] في عدتهن. أي: في الطهر (الذي) [يعتددن] به، وهو الطهر [الذي] لم تقرب فيه. [وهذا هو مذهب] مالك وغيره.

وكون اللاَّمِ بمعنى " في ": [مستعمل]، قال الله جل ذكره عن قول الكافر في الآخرة:يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [الفجر: 24]، أي: في حياتي، أي: يا ليتني قدمت عملاً (صالحاً) في حياتي في الدنيا.

فطلاق السنة الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يطلق الرجل امرأته وهي طاهر من غير جماع كان منه في ذلك الطهر. دل على ذلك قوله: { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } أي: في عدتهن، أي: في الطهر الذي يعتددن به ويجعلنه قُرْءاً إذا مضى.

وسأل رجل ابن عباس فقال: إنه طلق امرأته مائة، فقال له ابن عباس: عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، ولم تتق الله فيجعل لك مخرجاً، وقرأ:وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [الطلاق: 2]، وقرأ: (يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن من قبل عدتهن) هكذا روي أنه قرأ على التفسير.

" وَرَوَى مالك أن ابن عمر " طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمرُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: مُرْهُ يُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ (ثُمَّ) إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ الله أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ " فهذا طلاق السنة، يطلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة، ويدعها [تمضي] في عدتها، فإن بدا له أن يرتجعها (ارتجعها) شاءت أم أبت قبل أن تمضي عدتها، فإن لم يرتجعها حتى مضت عدتها حلَّت للأَزواج غيرِه وملكت نفسها، وصار خاطباً من الخطاب. وهذا قول ابن عباس وابن مسعود وعطاء وطاوس وابن المسيب وعمرو بن دينار وقتادة وربيعة ومالك وأهل المدينة، وبه قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي، ومُضِيُّ عدتها عند مالك وأصحابه: أن ترى الدم من الحيضة الثالثة، لأن الأَقراء عنده الأطهار، وعند غيره: الحِيَضُ.

السابقالتالي
2