الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }

{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } قال الرازيّ: في الفتح وجوه:

أحدها: فتح مكة، وهو ظاهر.

وثانيها: فتح الروم وغيرها.

وثالثها: المراد من الفتح، صلح الحديبية.

ورابعها: فتح الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان.

وخامسها: المراد منه الحكم، كقوله:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 89]، وقوله:ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ } [سبأ: 26]. انتهى.

ولا يخفى أن الوجوه المذكورة كلها، مما يصدق عليها الفتح الربانيّ، وجميعها مما تحقق مصداقه. إلا أن سبب نزول الآية، الذي حفظ الثقات زمنه، يبين المراد من الفتح بياناً لا خلاف معه، وهو أنه الوجه الثالث المذكور.

قال الإمام ابن كثير: نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية، في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة، حين صدّه المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام، ليقضي عمرته فيه، وحالوا بينه وبين ذلك، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، وأن يرجع عامه هذا، ثم يأتي من قابل، فأجابهم إلى ذلك، على تكرّهٍ من جماعة من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم، كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن شاء الله تعالى. فلما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه حيث أُحْصِرَ ورجع، أنزل الله عز وجل هذه السورة، فيما كان من أمره وأمرهم، وجعل ذلك الصلح فتحاً، باعتبار ما فيه من المصلحة، وما آل الأمر إليه، كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. وعن جابر رضي الله عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية. وروى البخاريّ عن البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان، يوم الحديبية.

وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم:لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2] مرجعه من الحديبية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد أنزلت عليّ آية أحب إليّ مما على الأرض " ، ثم قرأها عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم - أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة به.

وروى الإمام أحمد عن مجمّع بن جارية الأنصاريّ رضي الله عنه - وكان أحد القراء الذين قرؤوا القرآن - قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها، إذا الناس ينفرون الأباعر. فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نرجف، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته عند كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه، فقرأ عليهم: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }.

السابقالتالي
2