الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ }

فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } قراءة العامة. «إِنا أَعْطيناك» بالعين. وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف: «أَنْطَيْنَاكَ» بالنون وروته أمّ سلمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي لغة في العطاء أنطيته: أعطيته. و«الكوثر»: فوعل من الكثرة مثل النوفل من النفل، والجوهر من الجهر. والعرب تسمي كل شيء كثيرٍ في العدد والقدر والخطر كوثراً. قال سفيان: قيل لعجوز رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: بكوثر أي بمال كثير. والكوثر من الرجال: السيد الكثير الخير. قال الكميت:
وأنت كثيرٌ يابنَ مَرْوانَ طَيِّبٌ   وكان أبوك ابنُ العقائِلِ كَوْثرا
والكوثر: العدد الكثير من الأصحاب والأشياع. والكوثر من الغبار: الكثير. وقد تكوثر إذا كثر قال الشاعر:
وقـد ثـارَ نقـع المـوتِ حـتـى تَكَـوثـرا   
الثانية: واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطِيه النبي صلى الله عليه وسلم على ستة عشر قولاً: الأوّل: أنه نهر في الجنة رواه البخاريّ عن أنس والترمذيّ أيضاً وقد ذكرناه في كتاب التذكرة. وروى الترمذي أيضاً عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكَوْثر: نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدرّ والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج " هذا حديث حسن صحيح. الثاني: أنه حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم في الموقف قاله عطاء. وفي صحيح مسلم " عن أنس قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: «نزلت عليَّ آنفاً سورة ـ فقرأ ـ بسم الله الرحمن الرحيم: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ـ ثم قال ـ أتدرون ما الكوثر»؟ قلنا الله ورسوله أعلم. قال: «فإنّه نَهرٌ وَعَدنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَ، عليه خَيرٌ كَثِير هُو حَوْضٌ تَرِد عَلَيْهِ أمّتي يَوْمَ القيامة آنِيَتُهُ عَددُ النُّجُوم، فيُخْتلَجُ العبدُ منهمْ فأقولُ إنَّهُ من أمّتي، فيقال إنك لا تَدْرِي ما أَحْدَثَ بَعْدَكَ» ". والأخبار في حوضه في الموقف كثيرة، ذكرناها في كتاب «التذكرة». وأن على أركانه الأربعة خُلفَاءَه الأربعة رضوان الله عليهم. وأنَّ من أبغض واحداً منهم لم يسقِه الآخر، وذكرنا هُناكَ من يُطْرَد عنه. فمن أراد الوقوف على ذلك تأمله هناك. ثم يجوز أن يسمى ذلك النهر أو الحوض كوثراً، لكثرة الواردة والشاربة من أمّة محمد عليه السلام هناك. ويسمى به لما فيه من الخير الكثير والماء الكثير. الثالث: أن الكوثَر النبوّةُ والكتابُ قاله عكرمة. الرابع: القرآن قاله الحسن. الخامس: الإسلام حكاه المغيرة. السادس: تيسير القرآن وتخفيف الشرائع قاله الحسين بن الفضل.

السابقالتالي
2